كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
والأول أكثر وأشهر. كان فاضلاً ناسكاً عابداً وله كرامات وفضائل روى عنه أبو إدريس الخولاني وجماعة من تابعي أهل الشام. ومن نوادر أخباره وكراماته ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم ابن أصبغ قال: حدثنا أحمد بن زهير قال: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي حدثنا إسماعيل بن عياش قال: أخبرنا شرحبيل بن مسلم الخولاني أن الأسود ابن قيس بن ذي الخمار تنبأ باليمن فبعث إلى أبي مسلم فلما جاءه قال له: أتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع. قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم. قال أتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع. قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم. فردّد ذلك عليه، كل ذلك يقول له مثل ذلك. قال فأمر بنار عظيمة فأجّجت ثم ألقي فيها أبو مسلم فلم تضره شيئاً! قال: فقيل له: انفِه عنك وإلا أفسد عليك من اتبعك. قال فأمره بالرحيل، فأتى أبو مسلم المدينة وقد قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واستُخلف أبو بكر. فأناخ أبو مسلم راحلته بباب المسجد ودخل المسجد وقام يصلي إلى سارية، فبصر به عمر بن الخطاب فقام إليه فقال ممن الرجل؟ قال: من أهل اليمن.[1] قال: ما فعل الرجل الذي أحرقه الكذاب بالنار؟ قال: ذلك عبد الله بن ثوب. قال: أنشدك بالله أنت هو؟ قال: اللهم نعم. قال: فاعتنقه عمر وبكى ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين أبي بكر، وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الله عليه السلام.[2]
خاله الملك الزاهد يحيى بن يغان
وأما خاله يحيى بن يغان فقد كان ملك تلمسان في تونس (الآن الجزائر) ولكنه ترك ملكه وماله وزهد في الدنيا على يد شيخ زاهد من علماء تونس إثر نصيحة فيها كلام مؤثر بلغ من نفسه أشد مبلغ:
كان بعض أخوالي منهم قد ملك مدينة تلمسان يقال له يحيى بن يغان. وكان في زمنه رجل فقيه عابد منقطع من أهل تونس يقال له أبو عبد الله التونسي، كان بموضع خارج تلمسان يقال له العُبّاد. كان قد انقطع بمسجد يعبد الله فيه وقبره بها يزار. فبينا هذا الصالح يمشي بمدينة تلمسان بين المدينتين أقادبر والمدينة الوسطى إذ لقيه خالنا يحيى بن يغان ملك المدينة في خَوَله وحَشَمه. فقيل له هذا أبو عبد الله التونسي عابد وقته. فمسك لجام فرسه وسلّم على الشيخ فردّ عليه السلام، وكان على الملك ثياب فاخرة. فقال له يا شيخ: هذه الثياب التي أنا لابسها؛ تجوز لي الصلاة فيها؟ فضحك الشيخ. فقال له الملك: مِمّ تضحك؟ قال من سُخف عقلك وجهلك بنفسك وحالك؛ ما لك تشبيه عندي إلا بالكلب يتمرّغ في دم الجيفة وأكلها وقذارتها، فإذا جاء يبول يرفع رجله حتى لا يصيبه البول. وأنت وعاءٌ مليءٌ حراماً وتسأل عن الثياب ومظالم العباد في عنقك! قال فبكى الملك ونزل عن دابته وخرج عن ملكه من حينه ولزم خدمة الشيخ.
[1] أي أنه قدم من اليمن.
[2] الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لأبي عمر يوسف بن عبد البر المعروف بابن عبد البر النمري، دار نهضة مصر للطبع و النشر-القاهرة، 1980: ج4ص1757-1759.