كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
مقرئٌ ومربٍّ
ويبدو أن الشيخ اللخمي كان صوفيا أيضاً وكان بارعا في التربية كما هو بارع في القراءات، فكان مثلا يعلّم تلاميذه الأدب وحفظ السرّ حتى عن الأصدقاء.[1]
والأهم من هذا أنه كان يعلّم تلاميذه التفكّر في معاني الآيات وعدم الاكتفاء بقراءتها على وجه السرعة بهدف الانتهاء من الختمة في وقت قصير. يروي عنه الشيخ الأكبر أنه كان يقصّ عليهم قصةً لطيفةً حول هذا المعنى، وهي القصة المشهورة حول الشاب الذي كان يقرأ القرآن كاملا كلّ ليلة حتى طلب منه شيخه أن يتخيّل أنه يقرأ القرآن عليه؛ فعندئذ ما استطاع أن يقرأ أكثر من نصف القرآن، وهكذا تدرّج معه فقال له: تخيّل أنك تقرؤه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي أُنزل عليه القرآن، ثم بين يدي جبريل الذي نزل به على قلب محمد صلّى الله عليه وسلّم؛ فما استطاع أن يزيد على عدة آيات. ثم قال له الشيخ يا ولدي "تب إلى الله وتأهّب واعلم أن المصلي يناجي ربه وإنك واقفٌ بين يديه تتلو عليه كلامه فانظر حظك من القرآن وحظّه وتدبّر ما تقرأه، فليس المراد جمع الحروف ولا تأليفها ولا حكاية الأقوال، وإنما المراد بالقراءة التدبّر لمعاني ما تتلوه فلا تكن جاهلاً!" فعندئذ لم يستطع الشاب أن يكمل الفاتحة لأنه لا يستطيع أن يقول "إيّاك نعبد" لأنه يخاف أن لا يصدق وهو يعلم أنه لمّا يُخلص بعدُ العبادة لله تعالى.[2]
فلا شك أن مثل هذه القصص ذات الطابع الصوفي كان لها تأثيراً كبيراً على روح ابن العربي الشاب الذي كان الصدق عنده ملكةً كما رأينا في الأعلى عندما ذكرنا قصته مع حمر الوحش.
صاحباه محمد الخياط وشقيقه أحمد الحريري (إشبيلية)
إن مِن أوائل مَن يذكرهم الشيخ محي الدين من أصحابه وإخوانه وشيوخه الذين تعلم منهم ومعهم هما الأخوان الشقيقان محمد الخيّاط وأحمد الحريري وكانا يقطنان في مكان ليس قريبا عن مسكن ابن العربي في إشبيلية، ولكنه كان يزورهما كثيرا ويتعلم منهما، وكان مولعا بشكل خاص بالشيخ محمد الخياط، الذي كان أكبر منه عمرا. وقد صحبهما محمد حتى سنة 590/1194 حيث ارتحلا إلى المشرق بهدف الحج ثم استقر الأمر بهما في مصر حيث سيلتقي بهما الشيخ الأكبر لاحقا.
أبو عبد الله محمد الخياط
وقد تأثر ابن العربي بشكل خاص بالشيخ محمد الخياط كثيراً كما يذكر ذلك في كتاب روح القدس وهو يذكر إخوانه الذين عاشرهم واستفاد منهم، فيقول عنه أنه رجع إلى الطريق قبل أخيه بزمن طويل وكانت له والدة وكان بارّاً بها، رضي الله عنه، ولزم خدمتها حتى ماتت. وقد غلب عليه الخوف حتى
[1] الفتوحات المكية: ج2ص314، ج4ص550.
[2] الفتوحات المكية: ج1ص425.