كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
تلقيه العلم وتعلمّه القرآن الكريم
أغلب الظن أن ابن العربي قد تلقى تعليماً خاصّاً وليس هناك ما يدلّ على أنه كان يذهب إلى المدارس المعروفة آنذاك، وهذا أمرٌ طبيعي نظرا لكون عائلته من العائلات الغنية والمقرّبة من السلطان كما ذكرنا أعلاه. ويبدو أيضاً أنه لم يكن في بداية الأمر بارعا في شيءٍ من ضروب العلوم والآداب التي كانت تُدرس في وقته، بل أنه لم يكن يحسن القراءة أمام الشيوخ، حيث أنه كان يَهابُهم ويرتعد بين أيديهم، ولعل ذلك كان بسبب شدّة تأدّبه معهم ومعرفته علوّ مقاماتهم. فقال وهو يروي قصةً حدثت معه عند شيخه وأستاذه أبي يعقوب يوسف بن يخلف الكومي الذي سنتكلم عنه بعد قليل، وكان ذلك في بدايته عند دخوله طريق التصوف أو ربّما قُبيْل ذلك:
... ولم أكن قط رأيت رسالة القشيري ولا غيرها ولا كنت أدري لفظة التصوف على ماذا تنطلق! فركب (الشيخ يوسف) يوماً فرسه وأمرني وآخر من أصحابه أن نخرج إلى المنتيار -وهو جبل عال على فرسخ من إشبيلية- فخرجت أنا وصاحبي عند فتح باب المدينة وفي يد صاحبي رسالة القشيري وأنا لا أعرف ما القشيري ولا رسالته، فصعدنا الجبل فوجدناه سبقنا وغلامُه ممسكٌ فرسه. فدخلنا مسجداً في أعلى ذلك الجبل فصلينا واستدبر القبلة وأعطاني الرسالة وقال لي اقرأ! فلم أقدر أن أضمّ كلمةً إلى أخرى والكتاب يسقط من يدي من الهيبة، فقال لصاحبي اقرأ! فأخذه صاحبي وقرأه وتكلم عليه الشيخ، فلم نزلْ كذلك حتى صلينا العصر.[1]
ولكن ابن العربي سرعان ما بدأ بالانتظام في حلقات التعليم والدروس عند أكابر الشيوخ المشهورين في عصره أمثال أبي بكر بن خلف الذي كان يعلّم القرآن بالقراءات السبع بكتاب "الكافي" والذي كان يحدّث به عن ابن مؤلفه عن أبيه محمد بن شريح (392/1001-476/1083)،[2] وكذلك أبي القاسم الشرّاط القرطبي (توفي 586/1190). ذكر ذلك أحمد بن محمّد المقرّي المالكي في كتابه "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" في ترجمة ابن العربي:
... قرأ القرآن على أبي بكر ابن خلف بإشبيلية بالسبع وبكتاب الكافي، وحدّثه به عن ابن المؤلف أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح الرّعيني عن أبيه، وقرأ أيضاً السبع بالكتاب المذكور على أبي القاسم
[1] روح القدس: ص49-50.
[2] محمد بن شريح بن أحمد بن محمد بن شريح هو أبو عبد الله الرُّعينيّ الإشبيليّ المقريء، مصنَّف كتاب الكافي، وكتاب التّذكير، وخطيب إشبيلية. رحل وحجّ، وسمع من أبي ذرّ الهرويّ، وأجاز له مكّيّ القيسيّ، وسمع بمصر من: أبي العبّاس بن نفيس، وأبي القاسم الكحّال؛ وبإشبيلية من: عثمان بن أحمد القيشطاليّ. وقرأ بالروايات بمكّة على القنطريّ، وبمصر على ابن نفيس. روى عنه: ابنه الخطيب أبو الحسن شريح. انظر: تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، للحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي-بيروت، 1989، حوادث وفيات 471-480، ص179. انظر أيضاً: الذهبي، "سير أعلام النبلاء": ج18ص554.