كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
بن معضاد الجعبري، فيما حدثني به شيخنا ابن تيمية، عن التاج البرنباري، أنه سمع الشيخ إبراهيم يذكر ابن العربي فقال: كان يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجاً."[1]
والحقيقة أن الشيخ محي الدين قد ذكر في العديد من كتبه شعراً ونثراً أن الله خلق العالم ابتداءً، وله في ذلك نظرية بديعة ناقشناها ببعض التفصيل في الأطروحة (التي نقوم الآن بإعادة صياغتها باللغة العربية وستنشر قريبا إن شاء الله تعالى)، ولكن ما ذنبه إذا كان بعض الناس يقرؤون طرفاً من كلامه ثم يحكمون عليه من خلال فهمهم. ولقد وقع في مثل هذا الخطأ أيضاً بعض أنصار الشيخ محي الدين مثل الباحث الشهير هنري كوربان الذي يقول في كتابه "الخيال الخلاّق" أنه "لا يوجد في علم ابن العربي خلق من عدم"،[2] في حين أن ابن العربي ابتدأ الحمد في خطبة الفتوحات المكية بقوله: "الحمد لله الذي خلق الأشياء من عدم"،[3] ويقول أيضاً في "الدرّة البيضاء" أن الممكن (وهو العالم) لا يمكن إلا أن يكون عن عدم، وإلا فهو ليس ممكن (بل واجب، وهذا لا يجوز، فليس هناك واجب الوجود غير الله تعالى). فابن العربي لا يمكن أن يقول بقدم العالم، فهذا إشراك صريح وهو نقيض حقيقة وحدة الوجود التي تنفي أي وجود حقيقي لما سوى الله تعالى كما قلنا.
مسألة إيمان فرعون
وهذه مسألة شائكة غفل عنها أكثر المسلمين، ولا يمكننا هنا القطع بها أو تفصيلها وإنما تحتاج إلى كتاب خاص إن شاء الله تعالى. ولكننا نقول هنا أن الشيخ الأكبر لم يقرّر أبداً أن إيمان فرعون مقبول عند الله تعالى وإنما ترك الأمر مفتوحاً كما هي حقيقة الأمر في القرآن الكريم لأنه شيء عائد لله تعالى وحده أن يقبل أو لا يقبل إيمان فرعون أو أن يعاقبه أو يعفو عنه؛ وليس هناك دليل قوي يدعو لنفي قبول إيمان فرعون؛ فكما أننا لا نستطيع أن نقرر بشكل حاسم أن فرعون قد مات مؤمناً (بقلبه) كذلك لا نستطيع أن نقرر أنه قد مات كافراً، لأنه لا شك نطق بكلمة التوحيد وأسلم قبل موته، والأمر إلى الله تعالى وحده أن يقبله أو لا يقبله، لأنه هو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ونحن لا نستطيع أن نحكم إلا بحسن الظنّ وظاهر القول.
والحقيقة أن ظاهر قول فرعون هو إيمان صريح وغير معلول رغم أنه جاء متأخراً، ولكن ليس قبل فوات الأوان، فليس هناك مانع شرعي ولا دليل على عدم قبوله، بل إن المرجَّح أن تَسعه رحمة الله الغفور الرحيم، والآيات التي تدلّ على ذلك كثيرة إذا أخذناها بعين الإنصاف وبدون التحيّز البشري المعتاد في مثل هذه الحالات عندما يقدر الإنسان على عدوّه الظالم فينتقم منه دون أدنى رحمة، والأمر ليس كذلك
[1] الذهبي، "تاريخ الإسلام": أحداث وفيات 641-650 (ص279-280).
[2] هنري كوربان، "الخيال الخلاّق": ص200.
[3] الفتوحات المكية: ج1ص2.