كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
لأنه تولاهم وتكفّل بهم، ولذلك كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: "وَتَوَلّني فِيمَن تَوَلَّيْتَ"،[1] اللهم آمين.
فدرجة الولاية أعم ودائرة الولاية أوسع، ولذلك أوضح الشيخ الأكبر في حديثه عن بعض أصناف الأولياء فقال:
فمن الأولياء رضي الله عنهم الأنبياء صلوات الله عليهم، تولاهم الله بالنبوة، وهم رجال اصطنعهم لنفسه واختارهم لخدمته واختصهم من سائر العباد لحضرته، شرع لهم ما تعبّدهم به في ذواتهم ولم يأمر بعضهم بأن يعدّي تلك العبادات إلى غيرهم بطريق الوجوب. فمقام النبوة مقام خاص في الولاية، ... ومن الأولياء رضوان الله عليهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، تولاهم الله بالرسالة فهم النبيون المرسلون إلى طائفة من الناس، أو يكون إرسالاً عاماً إلى الناس ولم يحصل ذلك إلا لمحمد صلّى الله عليه وسلّم؛ فبلّغ عن الله ما أمره الله بتبليغه في قوله: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)، (وما على الرسول إلا البلاغ)، فمقام التبليغ هو المعبّر عنه بالرسالة لا غير. وما توقفنا عن الكلام في مقام الرسول والنبي صاحب الشرع إلا لأن شرط أهل الطريق فيما يخبرون عنه من المقامات والأحوال أن يكون عن ذوق، ولا ذوق لنا ولا لغيرنا ولا لمن ليس بنبي صاحب شريعة في نبوة التشريع ولا في الرسالة، فكيف نتكلم في مقام لم نصل إليه، وعلى حال لم نذقه! لا أنا ولا غيري ممن ليس بنبي ذي شريعة من الله ولا رسول؛ حرام علينا الكلام فيه، فما نتكلم إلا فيما لنا فيه ذوق، فما عدا هذين المقامين فلنا الكلام فيه عن ذوق لأن الله ما حجره. ومن الأولياء أيضاً الصدّيقون رضي الله عن الجميع تولاهم الله بالصدّيقية ...[2]
فهل هناك أوضح من ذلك، ويزيد الشيخ الأكبر توضيح المسألة فيقول:
فأول مرتبة العلماء بتوحيد الله الأولياء فإن الله "ما اتخذ ولياً جاهلاً"[3] وهذه مسألة عظيمة أغفلها علماء الرسوم (أي الفقهاء) فإنه يدخل تحت فلك الولاية كل موحّد لله بأي طريق كان (أي مهما كان دينه) وهو المقام الأول، ثم النبوة ثم الرسالة ثم الإيمان، فهي فينا أعلى مرتبة الولاية على ما رتبناه، وهي هناك ولاية ثم إيمان ثم نبوة ثم رسالة. وعند علماء الرسوم وعامة الناس الخارجين عن الطريق الخاص المرتبة الأولى إيمان ثم ولاية ثم نبوة ثم رسالة.[4]
وزاد أيضاً:
اعلم أن الولاية هي المحيطة العامة وهي الدائرة الكبرى فمِن حُكمها أن يتولى الله من شاء من عباده بنبوة وهي من أحكام الولاية، وقد يتولاه بالرسالة وهي من أحكام الولاية أيضاً؛ فكل رسول لا بد أن
[1] انظر في كنز العمال: رقم 19575، وهو من دعاء القنوت.
[2] الفتوحات المكية: ج2ص24.
[3] هذا الخبر لم يثبت في كتب الحديث مرفوعا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقال الحافظ بن حجر أنه ليس بثابت ولكن معناه صحيح. انظر في كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي، دار الكتب العلمية-بيروت، 1988، حرف الميم، رقم 2185.
[4] الفتوحات المكية: ج2ص52.