كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
وقد ذكر قاضي القضاة تقي الدين السبكي (756/1355) في أول مقدمته في كتابه الدرة المضيئة: "أما بعد فإنه لمـا أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد، بعد أن كان مستتراً بتبعية الكتاب والسنة مظهراً أنه داعٍ إلى الحق هادٍ إلى الجنة، فخرج من الإتباع إلى الابتداع وشذّ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع".[1]
وكان الذهبي (توفي 748/1347) ممن أعجب به فمدحه في أول الأمر ثمَّ قال عنه لاحقاً فيما أصبح يُعرف بالرسالة الذهبية وهي رسالة "بيان زغل العلم والطلب": "ما وجدت أخَّره بين أهل مصر والشام ومقتته نفوسهم وازدروا به وكذَّبوه وكفَّروه إلا الكِبر والعُجب وفرط الغرام في رئاسة المشيخة والازدراء بالكبار، فانظر كيف وبال الدعاوى وحبه الظهور، نسأل الله المسامحة."[2] ويشار إلى أن بعض علماء السلفية من أنصار ابن تيمية يشكون في نسب هذه الرسالة للإمام الذهبي.[3]
ومن أهم القضايا التي اختلف بها ابن تيميّة عن جمهور العلماء مفهوم البدعة والابتداع في الدين وحدّهما، والتبرّك والتوسّل بالنبي والأولياء والأئمة، وزيارة قبور الأنبياء والأولياء والبناء عليها والصلاة عندها والنذر لأهلها، إضافة إلى مواضيع أخرى متفرّعة، وقضايا أخرى تمسّ تاريخ الإسلام، ولا تزال هذه القضايا موضع خلاف بين العلماء وبين أتباعه وأتباع تلميذه محمد بن عبد الوهاب.
وفي المقابل فإن الكثيرين قد اتبعوه ودافعوا عنه ونشروا كتبه ومقولاته وفتاويه،[4] وقد كان هناك جدالٌ طويلٌ بين أتباعه المعجبين به وبين المستائين من فتاويه وتكفيره للعديد من أعلام المسلمين، ونحن لا نريد أن نخوض في هذا الجدال إلا فيما يخص موضوعنا الرئيسي عن آرائه بالشيخ الأكبر ابن العربي ولماذا اتهمه بالكفر والعياذ بالله، ولكن نقول مبتدئين أنه لا شك أن الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى كان له أثر إيجابي كبير على الإسلام من خلال كتبه الكثيرة التي ملأت الآفاق خاصة في العصر الحديث بعد أن يسّر الله لها من تبنّاها ونشرها ووفّرها للمسلمين بأرخص الأثمان. فلا شك أنه اجتهد فأصاب في الكثير من الأمور وربما أخطأ في بعضها فله على كل حال أجر إن شاء الله تعالى.
فالحقيقة أن ابن تيمية بذل جهداً كبير في محاولة تصحيح بعض العقائد وكان يحاول الالتزام
[1] مقدمة الدرة المضيئة، تقي الدين السبكي، طبع في مصر مع تكملة للمحقق محمد زاهد الكوثري. وقد ألّف السبكي أيضاً كتبا أخرى بهذا الخصوص مثل: السيف الصقيل في رد ابن تيمية وابن القيم الجوزية، شفاء السقام في زيارة خير الأنام عليه الصلاة والسلام.
[2] بيان زغل العلم والطلب، للحافظ شمس الذهبي، تحقيق الشيخ محمد زاهد الكوثري، نشر القدسي بدمشق، 1928.
[3] ألّف الشيخ محمد بن إبراهيم الشيباني رسالة في إبطال نسبة هذه الرسالة إلى الإمام الذهبي سماها "التوضيح الجلي في الرد على النصيحة الذهبية المنحولة على الإمام الذهبي"، انظر كتاب "كتب حذّر منها العلماء"، مشهور حسن آل سلمان، تقديم بكر أبو زيد، دار العصيمي-الرياض، 1995: ج2ص309.
[4] الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، عمر بن علي بن موسى البزار، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإسلامي-بيروت، الطبعة الثالثة، 1980.