كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
الأخير من كل ليلة،[1] فقد ذكر ابن تيمية اعتقاده فيه بوضوح حين كان يخطب الجمعة في الجامع الأموي وقال أثناء كلامه أنّ الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل من درجة المنبر، فعارضه الفقيه المالكي ابن الزهراء وأنكر عليه ما قال، فضرب هذا الفقيه وسجن.[2]
وكذلك فقد تبيّن مذهبه في التجسيم بوضوح حين قال: إنّ الله تعالى يجلس على الكرسي وقد أخلى منه مكاناً يقعد فيه معه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذكر هذا القول تلميذه ابن القيم في بدائع الفوائد وقال إنّه قول السلف.[3]
ولقد أنكر على ابن تيمية عدد كبير من علماء المسلمين وكفّره بعضهم كالسبكي وشنّع عليه علي القادي واليافعي وزين الدين العراقي وصلاح والدين العلائي وغيرهم. قال تقيّ الدين الحمصي عن الحافظ ابن رجب الحنبلي: "وكان الشيخ زين الدين ابن رجب الحنبلي ممن يعتقد كفر ابن تيمية وله عليه الرد، وكان يقول بأعلى صوته في بعض المجالس: معذور السبكي في تكفيره،"[4] وقد كفّره قضاة المذاهب الأربعة في مصر حين حرّم زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله).[5] وذكر ابن حجر العسقلاني (توفي 852/1448) أنه قد نودي عليه بدمشق أن من اعتقد عقيدة ابن تيمية حلّ دمه وماله خصوصاً الحنابلة، فنودي بذلك وقرئ المرسوم وقرأها ابن الشهاب محمود في الجامع ثم جمعوا الحنابلة من الصالحية وغيرها وأشهدوا على أنفسهم أنـهم على معتقد الشافعي."[6] وقال ابن حجر الهيثمي في الفتاوى الحديثية: "وإياك أن تصغي إلى ما في كتب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية وغيرهما، ممن اتخذ إلـهه هواه وأضلّه الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله"،[7] بعد أن قال قبل ذلك كلاماً لا يليق بالمسلمين ولا نذكره هنا ولكنّه يشبه ما يقوله ابن تيمية على ابن العربي ويزيد.[8]
[1] الحديث متفق عليه بين البخاري ومسلم عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "يَنْزِلُ رَبُّنا كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثلُثُ اللَّيْل الآخِر فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْألُني فأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُني فَأَغْفِرَ لَهُ؟" وفي رواية لمسلم "يَنزِلُ اللَّهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى إلى السَّماءِ الدُّنْيا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثلُثُ اللَّيْلِ الأوَّلُ فَيَقُولُ: أنا المَلِكُ أنا المَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذي يَدْعُونِي فَأسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذي يَسألُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ لَهُ، فَلا يَزَالُ كَذَلِكَ حتَّى يُضِيءَ الفَجْرُ". وفي رواية"إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أوْ ثلُثَاهُ". صحيح البخاري: الجزء الأول، أبواب التهجد، رقم 1094. صحيح مسلم: الجزء الأول، كتاب صلاة المسافرين، رقم 168.
[2] راجع "رحلات ابن بطوطة": ج1ص57، وذكرت القصة في الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني ج1ص154.
[3] بدائع الفوائد، لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر المشتهر بابن قيم الجوزية، اعتنى بتصحيحه إدارة الطباعة المنيرية، دارالكتاب العربي-بيروت، 1970: ج4ص39-40.
[4] راجع: "دفع شبه من شبّه وتمرّد"، تقي الدين الحصني، ص123.
[5] راجع: "تكملة السيف الصقيل"، محمد زاهد الكوثري، ص155.
[6] الدرر الكامنة، ابن حجر العسقلاني: ج1ص147.
[7] الفتاوى الحديثية، تأليف أحمد شهاب الدين بن حجر الهيثمي المكي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي-القاهرة، 1970، ص203.
[8] ابن حجر الهيثمي، "الفتاوي الحديثية": ص99-100.