كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
كلاماً بين كلامين لا تعلق له بما قبله ولا بما بعده؛ وذلك شبيهٌ بقوله سبحانه وتعالى في سورة البقرة: ((حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ [238])) بين آيات طلاق ونكاح وعدة ووفاة، وذلك لمناسبة خفيّة لا يدركها إلا أهل الكشف.[1] ولقد ذكرنا في الفصل الرابع أن الشيخ محي الدين ذكر أنّ شيخه صاحب الصدقات الشيخ أبي العباس السبتي كان من الرجال القلائل الذين يعلمون المناسبة في ترتيب آيات القرآن الكريم (وليس فقط سوره)، وهذا علم عزيز.
ثم قال رضي الله عنه في الباب السادس والستين وثلاثمائة أن جميع ما يتكلم فيه في مجالسه وتصانيفه إنما هو من حضرة القرآن وخزائنه فإنه أعطي مفاتيح الفهم فيه والإمداد منه وهذا كله حتى لا يخرج عنه فإنه أرفع ما يمنح ولا يعرف قدره إلا من ذاقه.[2]
بعد وفاة الشيخ محي الدين رحمه الله قام العديد من محبيه بشرح هذا الكتاب الكبير أو اختصاره وكذلك محاولة ترجمته إلى لغات مختلفة. فقد اختصرها الشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراني المتوفى سنة 973/1565 في كتاب سماه "لواقح الأنوار القدسية المنتقاة من الفتوحات المكية"، ثم لخص ذلك التلخيص ثانية في كتاب سماه "الكبريت الأحمر من علوم الشيخ الأكبر" من غير أن يخرج عن ترتيب الشيخ محي الدين على خمسمائة وستين باباً، وكذلك في كتاب "اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر".
وهناك شروح أخرى كثيرة على بعض أبوب الفتوحات عمل عليها الكثير من العلماء أمثال عبد القادر الجيلي (توفي 820/1417)، أحمد بن سليمان الخالدي (توفي 986/1578)، عبد الله البسنوي (توفي 1054/1644)، والشيخ عبد الغني النابلسي (توفي 1143/1730). وكذلك توجد ترجمات لأجزاء منها باللغة التركية والفارسية والفرنسية والإنكليزية.
ولكن بعض العلماء الذين لم يستطيعوا فهم هذا الكتاب العظيم استنكروه وكفّروا كاتبه كما سنرى في الفصل السابع؛ فكان الشيخ برهان الدين البقاعي مثلا يسمي هذا الكتاب "القبوحات الهلكية".
ألف ولد روحي للشيخ الأكبر (9 جمادى الأولى 629/1232)
وفي هذه السنة يذكر الشيخ محي الدين أنه رأى رؤيا تبشرّه بأنه سيكون له ألف ولد روحي كما ذكر في كتاب المبشرات.[3] ولقد تكلمنا من قبل عن معنى الأبوّة والبنوّة الروحية في الفصل الثاني عند الحديث عن فاطمة بنت المثنى التي تعتبر الأم الروحية لابن العربي والتي قالت لأمه الحقيقية نور: "يا نور هذا ولدي وهو أبوك فبرّيه ولا تعقّيه".[4] ولقد وضع ابن العربي نظرية شاملة في معنى النكاح الروحي أو
[1] الفتوحات المكية: ج2ص163.
[2] الفتوحات المكية: ج3ص334.
[3] المبشرات، مخطوطة فاتح 5322 (ص92)، حسب ما ورد في كتاب كلوديا عداس "البحث عن الكبريت الأحمر"، ص309.
[4] الفتوحات المكية: ج2ص348.