كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
ولقد ذكرنا من قبل في الفصل الثالث أن الشيخ رأى بفاس رجلا "ساقطا" عليه من الحزن بحيث كان يبدو كأنه يوقد في الأتون وصحبه الشيخ ونفعه بعد أن بيّن له سبب زلّته، ولكن يضيف أنه مع ذلك بقي الحزن عليه. ثم يقول الشيخ رضي الله عنه أن جماعة من أهل الله يُعرضون عن الساقطين بسبب أنهم ما بلغوا من معرفة الله بحيث أنهم يرونه عين كل شيء؛ فلما حصروه صار عندهم كل من سقط من ذلك المقام الإلهي الذي عيّنوه أعرضوا عنه. أما العلماء بالله فما لهم حالة الإعراض عن هؤلاء لأنهم في حال الثبوت وحال السقوط ما خرجوا عن المقام الإلهي وإن خرجوا عن المقام السعادي.[1]
المصور المبدع (قونية)
يعتبر الشيخ محي الدين أن الأسماء الإلهية هي الفاعلة في العالم ولو أن أكثر الناس لا يشعرون بذلك ويحسبون أنهم هم الفاعلين، ويختص كل اسم إلهي بإمداد فئة معينة من الناس أو نشاط معين يخصه. فمثلا، يقول الشيخ محي الدين أن الاسم "الباري" منه يكون الإمداد للأذكياء من المهندسين أصحاب الاستنباطات والمخترعين الصنائع والواضعين الأشكال الغريبة، فهم عن هذا الاسم يأخذون. وهذا الاسم أيضاً هو الممد للمصورين (الرسامين والنحاتين) في حسن الصورة وتحديد موازينها من حيث الألوان والأبعاد.
ويذكر الشيخ محي الدين أن من أعجب ما رأى في هذا الخصوص في قونية من بلاد يونان مصوراً اختبره الشيخ محي الدين وأفاده في صنعته من حيث صحة التخيل ما لم يكن عنده. فيقول إنه صور يوماً حجلة وأخفى فيها عيباً لا يُشعر به وجاء بها إلى الشيخ محي الدين ليختبره في ميزان التصوير، وكان قد صوّرها في طبق كبير على مقدار صورة الحجلة في الجرم، وكان هناك بازي؛ فعندما أبصرها أطلقه من كان في يده عليها فركَضها برجله لمّا تخيل أنها حجلة في صورتها وألوان ريشها! فتعجّب الحاضرون من حسن صنعته.
فقال المصور للشيخ محي الدين: ما تقول في هذه الصورة؟ فقال له الشيخ: هي على غاية التمام، إلا أن فيها عيباً خفياً، وكان المصوّر قد ذكره للحاضرين فيما بينه وبينهم. فقال له: وما هو، هذه أوزانها صحيحة! فقال له الشيخ محي الدين: في رجليها من الطول عن موازنة الصورة قدر عرض شعيرة. فقام المصور وقبّل رأس الشيخ محي الدين وقال له: بالقصد فعلت ذلك لأجرّبك، وصدّقه الحاضرون وقالوا أنه ذكر ذلك لهم قبل أن يوقفه عليها.[2]
[1] الفتوحات المكية: ج3ص228.
[2] الفتوحات المكية: ج2ص424.