كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
ذكرها في كتبه وخاصة في محاضرة الأبرار. وقد ذكر الشيخ محي الدين لِبسه للخرقة القادرية في رسالة نسب الخرقة.[1]
لقاؤه بالقطب أحمد ابن هارون الرشيد (مكة 599/1203)
لقد رأينا من قبل في الفصل الثاني أن الشيخ محي الدين كان عنده قوة رؤية الأرواح المتجسدة ومعرفتها وذلك من خلال ثلاث طرق ذكرها تلميذه صدر الدين القونوي.[2] ورأينا أيضاً كيف أنّ الشيخ محي الدين التقى بأشخاص قد ماتوا منذ زمن بعيد، منهم مثلا أبو عبد الرحمن السلمي صاحب كتاب طبقات الأولياء كما ذكرنا أعلاه والمتوفى سنة 421/1030. ومن ذلك يذكر الشيخ محي الدين عدة مرات في الفتوحات المكية أنه التقى بالقطب بالسبتي أحمد ابن هارون الرشيد في مكة سنة 599 أثناء الطواف حول الكعبة المشرّفة، وكان يوم جمعة. وكان أحمد بن هارون الرشيد يُلقّب بالسبتي لأنّه كان يعمل يوم السبت ويتفرّغ بقيّة الأيام للعبادة، فلذلك لُقّب السبتي وليس لأنه من مدينة سبتة في المغرب كما هو حال العديد من أصحاب الشيخ محي الدين الذين يلقبون أيضاً بالسبتي كما رأينا في الفصل الثاني وكذلك سنرى أدناه.
فيقول مثلاً أنه كان يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة بمكة قد دخل الطواف فرأى رجلاً حسن الهيئة له هيبة ووقار وهو يطوف بالبيت أمامه. فصرف نظره إليه عسى أن يعرفه فما عرفه في المجاورين ولم يرَ عليه علامة قادمٍ من سفر لِما كان عليه من الغضاضة والنضارة. ثم يقول إنه رآه يمرّ بين الرجلين المتلاصقين في الطواف ويعبر بينهما ولا يفصل بينهما ولا يشعران به! فصار يتتبع بأقدامه مواضع وطأة أقدامه ما يرفع قدماً إلا وضع قدمه في موضعها وهو مركّز ذهنه إليه وبصره معه حتى لا يفوته، فيقول الشيخ محي الدين أنه أصبح هو نفسه كذلك يمرّ بالرجلين المتلاصقين اللذين يمرّ هو بينهما فيجوزهما في أثره كما يجوزهما ولا يفصل بينهما، فتعجب الشيخ من ذلك. ولما أكمل هذا الشخص أسبوعه (أي أشواطه السبعة) وأراد الخروج مسكه الشيخ محي الدين وسلم عليه فردّ عليه السلام وتبسّم له، والشيخ لا يصرف نظره عنه مخافة أن يفوته لأنه ما كان يشكّ فيه أنه روح تجسّد، ويعلم الشيخ الأكبر أن البصر يقيّده.[3]
فقال له الشيخ محي الدين: إني أعلم أنك روح متجسّد! فقال: صدقت. فقال له الشيخ: فمن أنت يرحمك الله؟ فقال: أنا السبتي بن هارون الرشيد. فقال له الشيخ: أريد أن أسألك عن حالٍ كنت عليه في أيام حياتك في الدنيا. قال: قُل. فسأله ابن العربي: بلغني أنك ما سُمّيت السبتي إلا لكونك كنت
[1] مخطوطة أسعد أفندي رقم 1507 لكتاب نسب الخرقة، انظر في "البحث عن الكبريت الأحمر": ص 214.
[2] ابن العماد، "شذرات الذهب": ج5ص196.
[3] تظهر الأرواح اللطيفة كالجن والملائكة بشكل متجسّد في صور خيالية تتحول بسرعة مع تحول الخيال، فمن رأى روحاً متجسداً وأراد أن يقيّده فيجب عليه أن يثبّت خياله عليه لأنه ليس له جسم طبيعي ثابت إنما هو صورة في خياله، فإذا تحوّل خياله تحوّلت هذه الصورة ومتى ثبت ثبتت. فلذلك نرى هنا أن الشيخ الأكبر كان يحاول أن لا يصرف نظره عن هذه الصورة حتى لا يتحول خياله عنها.