كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
ومن مكة ذهب الشيخ محي الدين إلى الطائف لكي يزور قبر ابن عباس رضي الله عنهما. وهناك يبدو أن حديثا دار بين الشيخ محي الدين ابن العربي وأصحابه عن الأبدال، وهم من رجال العدد، يكونون سبعة في كل وقت، وقد ذكرناهم في الفصل الثالث. فطلب منه أصحابه تقييد كتابٍ لهم عن هذا الموضوع، فيقول الشيخ محي الدين أنه استخار الله تعالى في ذلك ليلة الاثنين الثاني عشر من جمادى الأولى سنة تسع وتسعين وخمسمائة وكان ذلك عن طلب من صاحبه بدر الحبشي الذي يرافقه كظله كما قلنا من قبل وكذلك صاحبه أبي عبد الله محمد بن خالد التملساني، فكتب كتاب "حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال" لكي تكون لهما ولغيرهما عوناً على طريق السعادة وباباً جامعاً لفنون الإرادة.[1]
وفي هذا الكتاب يتكلم الشيخ محي الدين رضي الله عنه عن الأربعة الأركان التي هي عماد الطريق وهي الجوع والسهر والصمت والعزلة، ويذكر قصة عبد المجيد ابن سلمة التي ذكرناها في الفصل الثاني، حيث التقى عبد المجيد بشخص روحاني اسمه معاذ بن الأشرس فسأله عبد المجيد: يا أخي بماذا يكون الأبدال أبدالاً؟ فقال له: بالأربعة التي ذكرها أبو طالب في القوت،[2] وسماها له وهي الجوع والسهر والصمت والعزلة. وقد فصّل الشيخ محي الدين هذه الأمور أيضاً في الباب الثالث والخمسين من الفتوحات المكية.
الطاعون يحل في الطائف (رجب-رمضان 599/1203)
ثم يضيف الشيخ محي الدين في روايته لحادثة تساقط الشهب التي ذكرناها أعلاه أن الناس رأوا في تلك السنة عجائب كثيرة وحلّ الوباء بالطائف حتى ما بقي فيها ساكن؛ حلّ بهم من أوّل رجب إلى أوّل رمضان سنة تسعة وتسعين وخمسمائة، وكان الطاعون الذي نزل بهم إذا كانت علامته في أبدانهم ما يتجاوزون خمسة أيّام حتى يهلك، فمن جاز خمسة أيّام لم يهلك، وامتلأت مكة بأهل الطائف وبقيت ديارهم مفتّحة أبوابها وأقمشتهم ودوابهم في مراعيها. فيقول ابن العربي أنه كان الغريب في تلك المدة إذا مرّ بأرضهم فتناول شيئاً من طعامهم أو قماشهم أو دوابهم إذ لم يكن هناك حافظ يحفظه أصابه الطاعون من ساعته وإذا مرّ ولم يتناول شيئاً سلِم، فحمى الله أموالهم في تلك المدة لمن بقي منهم ولمن ورثهم وتابوا وورّثوا البنات في تلك السنة وسكنت الفتن التي كانت بينهم، فلما نجّاهم الله من ذلك ورفعه عنهم واستمر لهم الأمان عادوا إلى ما كانوا عليه من الإدبار.[3] ولقد ذكر ابن فهد في "إتحاف الورى" قصة الطاعون هذه وذكر نفس الأسباب والعوارض التي ذكرها الشيخ محي الدين.[4]
[1] مقدمة حلية الأبدال، مطبوع ضمن رسائل ابن العربي، طبعة حيدرآباد، 1948.
[2] كتاب قوت القلوب
[3] الفتوحات المكية: ج2ص450.
[4] ابن فهد، "إتحاف الورى": ج2 ص569. انظر أيضاً تاريخ أمراء مكة المكرمة ، عارف عبد الغني، ص465.