كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
على التمسّك بحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وكما رأينا في الفصل السابق فإن الشيخ محي الدين يستشهد ببعض المنامات المبشرات على أهمية جمع الحديث كما ذكر في كتاب المبشرات التي رآها هو أو رواها له بعض الصالحين سواء في كتاب المبشرات أو في الكتب الأخرى مثل الفتوحات المكية وكلها تحثّ على طلب الحديث والعمل به. فيقول الشيخ الأكبر أن هذا الرجل التقاه في مدينة سلا وهي مدينة بالمغرب على شاطئ البحر المحيط يقال لها "منقطع التراب" ليس وراءها أرض، فقال له هذا الرجل الصالح:
رأيت في النوم محجة بيضاء مستوية عليها نور سهلة ورأيت عن يمين تلك المحجة وشمالها خنادق وشعاباً وأودية كلها شوك لا تنسلك لضيقها وتوعّر مسالكها وكثرة شوكها والظلمة التي فيها. ورأيت جميع الناس يخبطون فيها عشوا ويتركون المحجة البيضاء السهلة، وعلى المحجة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونفر قليل معه يسير وهو ينظر إلى من خلفه، وإذا في الجماعة متأخر عنها لكنه عليها الشيخ أبو اسحق إبراهيم بن قرقور المحدث، كان سيداً فاضلاً في الحديث اجتمعت بابنه، فكان يفهم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه يقول له ناد في الناس بالرجوع إلى الطريق. فكان ابن قرقور يرفع صوته ويقول في ندائه، ولا من داع ولا من مستدع، هلموا إلى الطريق هلموا! فلا يجيبه أحد ولا يرجع إلى الطريق أحد.[1]
وفي مدينة سلا أيضاً التقى الشيخ محي الدين بالشيخ عبد الحليم الغماد الذي كان يغلب عليه الوله، ويقول عنه الشيخ محي الدين أنه كان إذا رأى شخصاً راكباً ذا إشارة يعظمه الناس وينظرون إليه يقول له ولهم: "تراب راكب على تراب"، ثم ينصرف وينشد:[2]
حتى متى وإلى متى تتوانا |
|
أتظنّ ذلك كلَّه نسياناً |
مقام القربة (أبجيسل، شهر محرم 597/1201)
فلمّا ودّع الشيخ محي الدين شيخه يوسف الكومي في سلا توجه نحو مراكش كما قال في روح القدس، وهي مدينة تبعد مسيرة حوالي عشرة أيام عن سلا. ولكنه كان له محطة مهمة توقف فيها على الطريق وكان لها انطباعٌ مهمٌّ في حياته حيث أنه دخل هناك في منزل غريب ما رأى فيه أحداً غيره. وهو منزل القربة وهو مقام بين الصدّيقيّة والنبوّة وقد خصّص له ابن العربي الباب الحادي والستين ومائة من الفتوحات المكية بالإضافة إلى كتاب آخر هو كتاب القربة.[3]
[1] الفتوحات المكية: ج3ص69.
[2] الفتوحات المكية: ج4ص506.
[3] هذا الكتاب مطبوع ضمن مجموعة رسائل ابن العربي، طبعة حيدر آباد 1948.