كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
وقد بيناها بكمالها وما لها من الأنوار والكرامات والمنازل والأسرار والتجليات في كتابنا المسمى مواقع النجوم ما سبقنا في علمنا في هذا الطريق إلى ترتيبه أصلا و قيدته في أحد عشر يوما في شهر رمضان بمدينة المرية سنة خمس وتسعين وخمسمائة، يغني عن الأستاذ، بل الأستاذ محتاج إليه، فإن الأستاذين فيهم العالي والأعلى، وهذا الكتاب على أعلى مقام يكون الأستاذ عليه ليس وراءه مقام في هذه الشريعة التي تعبدنا بها فمن حصل لديه فليعتمد بتوفيق الله عليه فإنه عظيم المنفعة. وما جعلني أن أعرفك بمنزلته إلا أني رأيت الحق في النوم مرتين وهو يقول لي انصح عبادي، وهذا من أكبر نصيحة نصحتك بها والله الموفق وبيده الهداية وليس لنا من الأمر شيء.[1]
وكذلك يقول عنه في الباب الثامن والستين ومائة أنه ما سبقه أحد إلى ترتيبه، لا إلى علم ما فيه، وهو كتاب صحيح الطريق عظيم الفائدة صغير الجرم بناه على المناسبة[2] فإن المناسبة أصل وجود العالم.[3]
وفي بداية هذا الكتاب مواقع النجوم يذكر الشيخ الأكبر سبب تأليفه بمزيد من التفصيل فيقول:
لما شاء الله أن يخرج هذا الكتاب الكريم إلى الوجود ويتحف خلقه بما اختاره لهم من لطائفه وبركاته في خزائن جوده على يدي من شاء من عبيده، حرّك خاطري امتطاء المطية من المرسية إلى المرية فامتطيت الرحال وأخذت في الترحال مرافقا أطهر عصبة وأكرم فتية سنة خمس وتسعين وخمسمائة، فلما وصلتها لأقضي أمورا أملتها تلقاني شهر رمضان المعظم بهلاله وصافحني على مسامرته بها إلى أوان انفصاله، فألقيت بها عصا التسيار وأخذت في الذكر والاستغفار، وكان لي أكرم جليس وأحسن أنيس. فبينما أنا أتبتل وأتخضّع وأخشع في بيوت أذن الله أن ترفع، وقد أقمر هلاله وفاز بما مضى من أيامه ولياليه رجاله، إذ أرسل إليّ سبحانه رسول إلهامه مؤيّدا ثم أردفه بما أوحى به للابن التقي (ربما يقصد بدر الحبشي) في منامه، فوافق المنام الإلهام، ونظم عقد الحكم في هذا الكتاب أبدع نظام، وعلمت عند ذلك أنني كما ذكرته من شاء من عباده في إبراز هذا الكتاب وإيجاده، وأني الخازن على هذا العلم والمتحكم في هذه المراسم؛ فنفث في روعي روحه القدسي، وطلع بأفق سماء همتي بدره البديع، فانبعث الروح العقلي لتصنيفه، وتوفرت دواعيه لتأليفه، ونظر الروح الفكري في تكييفه الرفيع وحسن نظمه البديع، فرتبته على ثلاث مراتب، وسلكت في أنجح المذاهب.[4]
ثم يُشرع الشيخ في تفصيل برنامج الكتاب وأنه كما ذكر على ثلاث مراتب هي مرتبة العناية وهي التوفيق، والهداية وهي علم التحقيق، والولاية وهي التي توصل إلى مقام الصدّيق. ثم جعل كل مرتبة
[1] الفتوحات المكية: ج1ص334.
[2] المناسبة علم مهم عند أهل الله الذين يعتبرون أنه لا يجتمع أمران إلا لمناسبة بينهما، كما في القصة التي ذكرها الشيخ محي الدين عن شيخه أبي مدين مع الشخص المشرك الذي كان يمشي بجانبه، والتي ذكرناها في أول هذا الفصل.
[3] الفتوحات المكية: ج2ص372، وكذلك: ج3ص326.
[4] مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم، ابن العربي، مكتبة محمد علي صبيح-القاهرة، 1965، ص5.