كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
بمدينة قرطبة أنه ولقد أخبرني بعض الصالحين بمدينة قرطبة أنه سمع أن بمرسية رجلاً عالماً كان مسرفاً على نفسه فقصد زيارته فامتنع من الخروج إليه لراحة كان عليها مع إخوانه فلما أبى إلا رؤيته فقال العالم أخبروه بالذي أنا عليه، فقال لا بدّ لي منه، فدخل عليه وقد فرغ ما كان بأيديهم من الخمر، فقال له بعض الحاضرين: أكتب إلى فلان يبعث إلينا شيئاً من الخمر، فقال: لا أفعل! أتريدون أن أكون مصراً على معصية الله؟ والله ما أشرب كأساً إذا تناولته إلا وأتوب عُقَيبه إلى الله تعالى ولا أنتظر الكأس الآخر ولا أحدّث به نفسي، فإذا وصل الدور إليّ وجاء الساقي بالكأس ليناولني إيّاه أنظر في نفسي فإن رأيت أن أتناوله منه تناولته وشربته وتبت.[1]
ولذلك يقول الشيخ الأكبر في الوصايا عندما يذكر هذه القصة: وإياك والإصرار وهو الإقامة على الذنب، بل تب إلى الله في كل حال وعلى أثر كل ذنب. وقال في موضع آخر من الفتوحات أيضاً عندما ذكر هذه القصة أن الحقّ أشهده في سرّه في واقعة وقال له بلّغ عبادي ما عاينته من كرمي بالمؤمن؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها. فيقول ابن العربي أن السيّئة لا يقاوم فعلها الإيمان بها أنها سيئة وينقل قول الله تعالى: ما لعبادي يقنطون من رحمتي ورحمتي وسعت كل شيء وأنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيراً.[2]
ولم يذكر الشيخ رضي الله عنه اسم هذا الشخص مع أنه التقاه ويعرفه ويقول: ما منعني أن أسميه إلا خوفي أن يُعرف إذا سميته. فإن ذلك يعدّ غيبة. وكان هذا الشخص في أشدّ الشوق لرؤية ابن العربي ولكنه عندما اجتمع به في مرسية سنة 595 لم يعرفه، بل سأله عنه، ومات وفي قلبه حسرة من كونه لم يلقاه.
مواقع النجوم، (المرية، رمضان 595/1199)
لما ودّع الشيخ الأكبر مرسية الوداع الأخير مرّ هو وصحبه في طريق عودتهم بالمرية وهي مدينة تقع على الشاطئ الجنوبي للأندلس بين مرسية وقرطبة. وهناك هلّ عليه هلال شهر رمضان فأقام فيها يتعبّد ويتهجّد، وهناك رأى الحقَّ تعالى في المنام مرتين وهو يقول له: "انصح عبادي" فلبّى الأمرَ عندما جاءه رسول الإلهام بتأليف كتاب "مواقع النجوم ومطالع أهلّة الأسرار والعلوم" الذي ألّفه في أحد عشر يوما من النصف الثاني من شهر رمضان سنة 595 في مدينة المرية. وهذا الكتاب هو من أهم كتب الشيخ محي الدين ابن العربي وهو يقارب بمرتبته الفتوحات المكية وفصوص الحكم رغم صغر جرمه ولكنه لم يحظى بالعناية الكافية من الشارحين والدارسين ربما لأنه مبني على الإشارة والرمز. يذكره الشيخ الأكبر في الفتوحات المكية كثيرا ويشير إليه كلما دعت الحاجة لمزيد من التفصيل وضاق عنها المحل، وهو يقول عنه في الباب الثامن والستين من الفتوحات حينما كان يذكر تكاليف أعضاء الجسم من يدٍ ورجلٍ وقلبٍ وعقلٍ:
[1] باب 560، انظر أيضاً الباب 72، وكتاب الكتب (ضمن رسائل ابن عربي، حيدرآباد).
[2] الفتوحات المكية: ج1ص708.