كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
عليه، قد هجره حبيبه ومقته قريبه، تصفية إن شاء الله وتطهيرا، ليتحقق بكون الله عليما خبيرا، وذلك لأمور طرأت لا يمكن ذكرها إلا مشافهة، ولا يُتحدث بها إلا مواجهة، لكن الشيخ، وفقه الله، أغراضه حميدة، ومساعيه في نفسه منججة سعيدة، غير أنه أعطي ملكا غاب عنه تدبيره، فأول من ثار عليه وزيره، وحُرم سياسته فلم يحكم رياسته،[1] يبدو لك الصدق على وجهه والمقصد الحسن على عرضه، فإن أمضاه في عالم الشهادة عاد قبيحا، وصار فاسدا بعد ما كان صحيحا، فدعا لكم والشيخ أبي عمران المعلم وثبته بكل صفة فاضلة فيه، فرحلت من عنده وقد بكى لفراقي متفجعا، وخرج معي إلى بعض الطريق مشيعا.[2]
ولا شك أن أبا أحمد بن سيدبون كان عالما جليلا حيث يقول عنه الشيخ الأكبر رضي الله عنه في الفتوحات المكية أنه عندما التقاه بمرسية سأله إنسان عن اسم الله الأعظم فرماه بحصاة يشير إليه أنك اسم الله الأعظم.[3]
وفي الباب الثالث والثمانين ومائتان في معرفة منزل القواصم وأسرارها من الحضرة المحمدية، يذكر الشيخ محي الدين أن الشيخ أبا أحمد ابن سيدبون رغم علوّ مرتبته فقد يلتبس عليه الأمر مثل الإمام أبي حامد الغزالي وغيره من العلماء الذين قالوا أن الإنسان إنما يطرأ عليه التلبيس ما دام في عالم العناصر فإذا ارتقى عنها وفُتحت له أبواب السماء عصم من التلبيس فإنه في عالم الحفظ والعصمة من المردة والشياطين فكل ما يراه هنالك حق. ولكن الشيخ محي الدين يقول إن الذي ذهبت إليه هذه الطائفة من رفع التلبيس فيما يرونه لكونهم في محالّ لا تدخلها الشياطين فهي محالّ مقدسة مطهرة كما وصفها الله وذلك صحيح أن الأمر كما زعموه، ولكن إذا كان المعراج فيها جسماً وروحاً كمعراج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأما من عرج به بخاطره وروحانيته بغير انفصال موت بل بفناء أو قوّة نظر يعطى إيّاها وجسده في بيته وهو غائب عنه بفناء أو حاضر معه لقوة هو عليها فلا بدّ من التلبيس إن لم يكن لهذا الشخص علامة إلهية بينه وبين الله يكون فيها على بيّنه من ربّه فيما يراه ويشاهده ويخاطب به. فإن كان له علامة يكون بها على بيّنة من ربّه والتلبيس يحصل له وعدم القطع بالعلم في ذلك إن كان منصفاً وقد يكون الذي شاهده حقاً ويكون معصوماً محفوظاً في نفس الأمر ولكن لا علم له بذلك فإذا كان على بيّنة من ربّه حينئذ يأمن التلبيس كما أمِنته الأنبياء عليهم السلام فيما يُلقي إليهم من الوحي في بيوتهم.[4]
الشيخ المسرف (مرسية 595/1199)
وفي مرسية أيضاً التقى الشيخ محي الدين برجل فقيه إمام متكلم ولكنه كان مسرفا على نفسه يشرب الخمر مع رفاق السوء، إلا أنه مع ذلك كان لا يصرّ على المعصية كما أخبره عنه بعض الصالحين
[1] الوزير هنا بمعنى العقل، راجع معنى ذلك في كتاب التدبيرات الإلهية (ضمن مطبوعة "إنشاء الدوائر")، ص121.
[2] انظر في كتاب الكتب، ضمن مجموعة رسائل ابن عربي، طبعة حيدرآباد.
[3] الفتوحات المكية: ج2ص641.
[4] الفتوحات المكية: ج2ص622.