كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
ذكر حاجي خليفة في كتابه "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" حول كتاب "خلع النعلين في الوصول إلى حضرة الجمعين" أنه للشيخ أبي القاسم بن قسي شيخ الصوفية هو أبو القاسم أحمد بن قسي الأندلسي (توفى ~ 560/1165) وهو مختصر أوله الحمد لله الذي أوجد بالحرفين دائرة الوجود الخ وشرحه الشيخ محي الدين محمد بن علي ابن العربي وذكر فيه أن المصنف كان من أهل الأدب والفضل متضلع من اللغة فلا يقصد إلى كلمة إلا لحكمة يراها وشرحه أيضاً الشيخ عبدي شارح الفصوص.[1]
هل يمكن رؤية الله تعالى
الجواب المباشر على هذا السؤال هو "لا" وذلك لأن عائشة رضي الله عنها قالت: "من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية"،[2] فإن الله سبحانه وتعالى يقول في سورة الأنعام: ((لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [103])). ولكن الله تعالى ترك باباً واسعا للرؤية في هذه الآية لأنه ما حجر إلا رؤية العين والأبصار ولم يحجر رؤية القلب والبصيرة.
بعد أن ذكر حديث عائشة الذي ذكرناه للتوّ يقول الشيخ محي الدين في الباب الثاني والتسعين وأربعمائة أثناء حديثه عن العلم بالله تعالى:
وهنا سرّ فابحث عليه ولا تقل قد حجرت واسعاً فإني ما حجرت عليك أن لا تعلم وإنما حجرت عليك إنك لا تعلم مثل هذا من الحق إلا في صورة محمدية، وقد بيّنّا أن أعظم الرؤية رؤية محمدية في صورة محمدية، وإليه ذهب الإمام أبو القاسم بن قسي رحمه الله في كتاب خلع النعلين له وهو روايتنا عن ابنه عنه بتونس سنة تسعين وخمسمائة وما رأيت هذا النَفَس لغيره فنعيّنه فإنه وصل إلينا فيمكن أن يكون كما علمته أنا من الله تعالى إلقاءً إلهياً من غير واسطة، أعني ما علمه ابن قسي في ذلك، ويمكن أيضاً أن يكون غير ابن قسي قبله أو بعده أو في زمانه قد أطلعه على ذلك وما وصل إلينا ما وصل إلينا والله أعلم، فلا شرف يعلو شرف العلم ولا حالة تسمو على حالة الفهم عن الله.[3]
ثم يضيف الشيخ محي الدين في كتاب "الإعلام بإشارات أهل الإلهام"، فيقول من غير أن يرجّح أحد هذه الأقوال:
قال الصدّيق رضي الله عنه: "ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله"، وقال الفاروق رضي الله عنه: "ما رأيت شيئا إلا رأيت الله معه"، وروي عن عثمان رضي الله عنه: "ما رأيت شيئا إلا رأيت الله بعده"، ومنهم من قال: "ما رأيت شيئا إلا رأيت الله عنده"، ومنهم من قال: "ما رأيت شيئا إلا رأيت الله فيه"، ومنهم من قال: "ما رأيت شيئا حين رأيت"، ومنهم من قال: "ما رأيت شيئا"، ومنهم من قال: "من رآه لم ير شيئا"،
[1] كشف الظنون، حاجي خليفة.
[2] صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق (حديث رقم 3062). صحيح مسلم، كتاب الإيمان (حديث رقم 177).
[3] الفتوحات المكية: ج4ص129.