كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
الدين ابن العربي، رغم صغر سنه وحداثة عهده في التصوف، كان مطلعا على مرتبة الشيخ الكناني ويذكر في رسالة الدرّة الفاخرة أنه قضى برفقته أقل من سنة وكان يحبّه ويجلّه كثيراً في حين أن صاحبه الشيخ المهدوي لم يكن يعرف المقام الرفيع لهذا الشيخ ولذلك لما أراد الشيخ محي الدين الرحيل أوصاه الشيخ الكناني أن لا يبوح لصاحبه المهدوي عن مقامه وحاله، وحتى طلب منه أن لا يفكر هو نفسه بذلك.[1]
ومع ذلك فإن علوّ درجة الشيخ الأكبر بين مشاهير الأولياء والشيوخ الكبار لم تكن تمنعه من احترامهم وتبجيلهم، حيث يذكر الشيخ الأكبر أن الشيخ الكناني كان له شأن رفيع في العلم بالله تعالى وله بركات مشهودة، وقد زاره الشيخ محي الدين حافيا على قدميه في شدة الحرّ[2] تأسّيا بشيخيه أبي يعقوب وأبي محمد الذين قالا له إنهما زاراه على هذه الحالة.[3]
الشيخ عبد العزيز المهدوي
وهو الشيخ عبد العزيز بن أبي بكر المهدوي المعروف بابن الكره (توفي 621/1224)، وهو أحد تلاميذ الشيخ أبي مدين، وكان الشيخ محي الدين يحبه كثيرا، وهو الذي يعود له الفضل في كتابة العديد من الكتب المهمة التي كتبها الشيخ محي الدين وأهداها للشيخ أبي محمد عبد العزيز المهدوي سواء في بيته في تونس أو من مكة وأرسلها له، ومنها رسالة روح القدس ورسالة الدرة الفاخرة التين لا غنى عنهما لمن يريد أن يكتب عن حياة ابن العربي لأنه ذكر فيهما العديد من الرجال الذين التقى بهم مع تحديد المكان والزمان في كثير من الأحيان. ويقول الشيخ الأكبر في كتاب روح القدس موجها كلامه لعبد العزيز:
وأبشرك يا وليّي رضي الله عنك أني جربت إخواني في هذا الطعام من باب المغرب إلى باب مكة فما دخل في بطني أخلص من طعامك. كنت أجد له ما لا يمكن وصفه وذلك لطيب النفوس وعدم تعلق خاطرك به إلا في وقت ما تعرفه أنت وابن المرابط وتعرف سببه. وهذا أعجب ما تسمع في هذا الباب وله أصل يستند إليه في اللحم الذي تصدق به على بريرة وهو حرام على النبي صلّى الله عليه وسلّم فلما أهدت منه للنبي صلّى الله عليه وسلّم أكله حلالا محضا وقال هو عليها صدقة ولنا هدية.[4] فألق بالك يا وليي
[1] مرجع، كلوديا 115.
[2] هذا يعني أن الزيارة كانت في الصيف، وربما كانت في بداية قدوم الشيخ محي الدين لتونس التي بقي فيها قريب السنة مما يعني أنه قدم إلى تونس في شهر جمادى الأول أو الثاني سنة 589 (يونيو- 1193يوليو).
[3] روح القدس: ص84.
[4] من المعلوم أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا يأكل من الصدقة ويأكل من الهدية، ولكن ورد في الحديث الصحيح (متفق عليه) أنه جاءت وليدة لبني هلال اسمها بريرة تستعين عائشة في كتابتها فسامت عائشة بها أهلها، فقالوا: لا نبيعها إلا ولنا ولاؤها، فتركتها وقالت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أبوا أن يبيعوها إلا ولهم ولاؤها، فقال: لا يمنعك ذلك إنما الولاء لمن أعتق، فابتاعتها عائشة وأعتقتها، فخيرت بريرة فاختارت نفسها، فقسم لها النبي صلّى الله عليه وسلّم شاةً، فأهدت لعائشة منها، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: هل عندكم من طعام؟ فقالت: لا إلا ذا الشاة التي أعطيت بريرة، فنظر ساعة ثم قال: قد وقعت موقعها، "هي عليها صدقة ولنا هدية"، فأكل منها. انظر كنز العمال: رقم 29706.