كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
الريّ
ومن الموضوعات التي يستشهد فيها الشيخ الأكبر بأقوال شيخه أبي مدين هو موضوع الريّ، فيقول إن الريّ هو ما يحصل به الاكتفاء ويضيق المحل به عن الزيادة منه. ثمّ يفصّل القول أنه لا يقول بالريّ إلا من يقول بأن ثمة نهاية وغاية للعالم، وهم الذين كُشف لهم عالَم الحياة الدنيا ونهاية مدّتها وهم أهل الكشف في اللوح المحفوظ المعتكفون على النظر فيه، أو من كان كشفه في نظرته ما هو الوجود عليه ثم يسدل الحجاب دونه ويرى التناهي إذ كل ما دخل في الوجود متناه، وليس لصاحب هذا الكشف من الكشف الأخروي شيء. فمن رأى الغاية قال بالريّ وعلّق همّته بالغاية وهؤلاء هم الذين قال فيهم الشيخ أبو مدين إنه من رجال الله من يحنّ في نهايته إلى البداية، وذلك لأن الله ما كشف لهم عن حقيقة الأمر على ما هو عليه، كالقائلين برجوع الشمس في طول النهار، وما هو رجوع في نفس الأمر، فالقائلون بالريّ هم القائلون بالدور لما يرونه من تكرار أيام الجمعة والشهور.
وأما الذين لا يقولون بالريّ فهم الذين يسمّون النهار والليل الجديدان وليس عندهم تكرار جملة واحدة. فالأمر له بدء وليس له غاية لكن فيه غايات بحسب ما تتعلق به همم بعض العارفين، فيوصلهم الله إلى غاياتهم، ومن هناك يقع لهم التجديد فيه، لا عليه، فيفوتهم خير كثير من الحكم وعلم كبير في الإلهيات، بل يفوتهم من علم الطبيعة خير كثير، فإن تركيبها لا نهاية له في الدنيا والآخرة.
ثم يضيف الشيخ الأكبر أن سبب الريّ الحقيقي أنه لمّا لم يتمكن صاحب الريّ أن يقبل من الحق إلا ما يعطيه استعداده وليس هناك منع فحصل الاكتفاء بما قبِله استعداد القابل وضاق المحل عن الزيادة من ذلك. فقال صاحب هذا الذوق: ارتويت! فما يقول بالريّ إلا من هو واقف مع وقته وناظر إلى استعداده، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.[1]
الشيخ أبو يعزى والورث الموسوي
لقد تكلمنا في الفصل السابق عند الحديث عن المقام العيسوي عن معنى وراثة الأنبياء عليهم السلام، وقلنا أن من الأولياء من يكون عيسويا ومنهم من يكون موسويا ومنهم من يكون محمديا، وقد يرتقون في هذه المقامات كالشيخ محي الدين رضي الله عنه الذي بدأ بالمقام العيسوي وارتقى إلى مقامات أخرى حتى كمل له الورث المحمدي في مكة المكرّمة، كما سنذكر أيضاً في الفصل الرابع.
فيقول الشيخ محي الدين أن الشيخ أبا يعزى كان من الوراثين الموسويين، وكان له كرامات كثيرة ومشهورة في المغرب، كان من المعاصرين للشيخ الأكبر ولكنه لم يستطع أن يقابله لشغله في ذلك الوقت.
[1] الفتوحات المكية: ج2ص552.