كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
لا بد أن ذلك حدث سنة 586 حيث ذكر الشيخ محي الدين في الفتوحات المكية في الباب الثالث والسبعين حينما كان يتحدث عن الأبدال فقال: وكنا قد رأينا منهم موسى السيدراني بإشبيلية سنة ست وثمانين وخمسمائة وصل إلينا بالقصد واجتمع بنا.[1]
و كان موسى السيدراني، كما يقول عنه الشيخ محي الدين، من أهل السعة في الدنيا فخرج عن ملكه ففتح الله عليه في ثمانية عشر يوما، والتحق بالأبدال فكان يتبوأ من الأرض حيث يشاء. ويذكر الشيخ محي الدين كيف التقى موسى بالشيخ أبي مدين (واسمه شعيب) وذلك أنه وُشي به مرّة إلى السلطان فأمر بتقييده فقُيّد بالحديد وسير به إليه فلما قرب من فاس ألقي في بعض المنازل في بيت وأُقفل عليه وبات عليه الحرس، فلما كان الصبح فُتح الباب فوجدوا الحديد الذي كان عليه مطروحا وما وجدوا أحداً، فدخل فاس وقصد دار أبي مدين، فقرع عليه الباب فخرج الشيخ بنفسه وقال له: من أنت؟ قال: أنا موسى، فقال له الشيخ: وأنا شعيب أدخل ((... لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [25])) [القصص].
من هو أبو مدين
وأَبُو مَدْيَن التِلِمْسَاني (514/1120-589/1193) هو شعيب بن الحسن الأندلسي التلمساني، صوفي شهير أصله من الأندلس، من حصن منتوجب قرب إشبيلية. أقام بفاس وسكن بجاية، وكثر أتباعه حتى خافه السلطان يعقوب المنصور. وقد أخذ الشيخ أبو مدين علومه وتربيته عن الشيخ الفقيه الصالح أبي الحسن علي بن حرزهم (توفي 559/1164).[2] ذكره أبو عبد الله الأبّار، وقال: كان من أهل العمل والاجتهاد، منقطع القرين في العبادة والنُّسك، وقال أيضاً: وتوفي بتلمسان في نحو التسعين وخمسمائة، وكان آخر كلامه: اللهُ الحيّ، ثم فاضت نفسه.[3] وكذلك ذكره الشعراني في "الطبقات" وروى عنه بعض القصص والأحوال.[4]
لقد اختلف المؤرخون في تاريخ وفاة أبي مدين؛ فمنهم من قال إنه "توفي بتلمسان وقد قارب الثمانين أو تجاوزها"،[5] (مما يعني أنه توفي بعد 594، وهذا غير صحيح) ومنهم من قال "توفي الشيخ أبو
[1] الفتوحات المكية: ج2ص682.
[2] الوفيات (معجم زمني للصحابة وأعلام المحدثين والفقهاء والمؤلفين من سنة 11-807 هجرية)، لأبي العباس أحمد بن حسن بن علي ابن الخطيب الشهير بابن قنفذ القسطيني، حققه و علق عليه عادل نويهض، دار الآفاق الجدية-بيروت، 1983، ص283. وابن حرزهم هو أبو الحسن علي ابن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن حرزهم، فقيه زاهد، من كبار رجال التصوف بالمغرب، من أهل فاس. جمع التادلي أخباره في "التشوف".
[3] الذهبي، "تاريخ الإسلام": حوادث وفيات 581-590 (ص398-399)، ولم يؤرخ له وفاة، بل ذكره تحت عنوان: ممن كان في هذا الوقت ولم تتصل بي وفاته.
[4] الطبقات الكبرى، عبد الوهاب بن أحمد الشعراني، دار الفكر العربي-القاهرة، 1970، ص133.
[5] الأعلام (قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين)، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين-بيروت، 1990: ج3ص166.