كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
أنه كان لا يغضب إلا لله وكان مُقسطا يحكم بالعدل ويُقيم الحد على من يتعدى حدود الله. ويقول الشيخ محي الدين ابن العربي في الباب السادس والستين وثلاثمائة في أثناء حديثه عن المهدي المنتظر عليه السلام والذي أيضاً يتصف أنه لا يغضب إلا لله تعالى، فيقول الشيخ الأكبر أن من علامة من يدّعي هذا المقام إذا غضب لله وكان حاكماً وأقام الحدّ على المغضوبِ عليه أنه يزول عنه الغضب على ذلك الشخص عند الفراغ منه وربما قام إليه وعانقه وآنسه وقال له: "أحمدُ اللّه الذي طهّرك"، وأظهر له السرور والبشاشة وربما أحسن إليه بعد ذلك؛ هذا ميزانه ويرجع لذلك المحدود رحمةً كلَّه. ثم يقول إنه رأى ذلك من الشيخ القاضي ابن يغمور في سبتة.
ثم يضيف الشيخ محي الدين أن القاضي ابن يغمور كان يسمع أيضاً معهم الحديث على الشيخ أبي الحسين بن الصائغ (توفي 600/1203) وهو من ذرية أبي أيوب الأنصاري، وسمع فيها أيضاً على أبي الصبر أيوب الفهري (توفي 609/1212) وعلى أبي محمد بن عبد اللّه الحجري الذي ذكرناه أعلاه. وكان القاضي ابن يغمور لا يأتي إلى مجلس السماع هذا راكباً، بل يمشي بين الناس؛ فإذا لقيه رجلان قد تخاصما وتداعيا إليه وقف إليهما وأصلح بينهما. وكان غزير الدمعة، طويل الفكرة، كثير الذكر، يُصلح بين القبيلتين بنفسه فيصطلحان ببركته.[1]
يقول الشيخ محي الدين عن الشيخ أبي الحسين بن الصائغ أنه إمام محدث صوفي زاهد، "وهذا من الأعجوبات محدث صوفي"، ولكنه يضيف أنه كبريت أحمر،[2] له بركات كثيرة، وقد عاشره كثيرا وروى عنه وقرأ عليه وكان زاهداً متجرداً.[3] وروى الشيخ الأكبر أيضاً أنه كان في بيت شيخه ابن الصائغ في سبتة يتحدثون، فقال لهم: "لأكلُ الدنيا بالدفّ والمزمار خيرٌ لي من أني آكلها بالدِّين"،[4] ولذلك نرى أن الشيخ محي الدين يذم في رسالة روح القدس الفقهاء الذين يتخذون الدِّين للمصلحة والتقرّب إلى السلطان.
ويروي عنه الشيخ محي الدين أيضاً أنه روى له قصة عن شيخه أبي عبد الله محمد بن رزق رحمه الله حيث كانوا في سياحة معه وهو يقرأ عليه بعض أجزاء الحديث، فلما مرّوا بمسجد خراب في فلاة من الأرض، قال: أدخلُ أركع فيه ركعتين، فدخل فوجد قلبه في ذلك الموضع فقعد فيه سنتين.[5]
في مدينة تلمسان (590/1193)
[1] الفتوحات المكية: ج3ص334.
[2] الكبريت الأحمر يرمز إلى الإكسير الذي يقال عنه في علم الكيمياء القديمة أنه يحول الفضة إلى ذهب، وهو رمز صوفي يدل على أن صاحبه له قوة التأثير على غيره من الأشياء والناس، وقد كان تلاميذ الشيخ الأكبر في بعض الفترات يدعونه بهذا الاسم كما ذكرنا في مقدمة هذا الكتاب.
[3] روح القدس: ص82.
[4] الفتوحات المكية: ج4ص489.
[5] الفتوحات المكية: ج2ص628. ومعنى "وجد قلبه" أي وجد ارتياحا في هذا المكان وملاءمة.