كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
فرأى في المنام كأنه بأرض واسعة وسحاب يدنو فيها صهيل الخيل وقعقعة اللجم ورأى أشخاصا ركبانا وعلى أقدامهم فينزلون في ذلك الفضاء حتى امتلأ بهم الفضاء ما رأى قط أحسن وجوها منهم ولا أنقى ثيابا ولا أحسن من خيلهم، وكان يرى رجلا طويلا عظيم اللحية أشيب يده إلى خده واسع الوجه، فكان من بين الجماعة كلها يقول له أخبرني ما هذا الجم الغفير فيقول له هؤلاء جمع النبيين من آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام ما بقي أحد منهم إلا نزل. فقال له الشيخ محي الدين: من أنت منهم؟ قال أنا هود صاحب عاد، فكان يقول له: فيم جئتم؟ فيقول جئنا عوّادا زائرين أبا محمد، فاستيقظ ابن العربي فسأل عن الشيخ مخلوف فوجده قد مرض تك الليلة فلبث أياما ومات رحمه الله تعالى.[1]
ويذكر الشيخ محي الدين ابن العربي أن قد رأى جميع الأنبياء والرسل مرتين في زمانين مختلفين، وكما ذكرنا أعلاه فهناك إشارات إلى أن مثل هذا الجمع الغفير للأنبياء والرسل كان بمثابة البشرى للشيخ محي الدين أنه هو الذي سيكون خاتم الأولياء المحمديين.
الشيخ صالح الخراز
و كان الشيخ صالح بإشبيلية وهو من أهل الجد والاجتهاد والورع في العبادة؛ أقبل على العبادة وهو ابن سبع سنين أو دونها، كان مبهوتا أبدا ما لعب قط مع الغلمان ولا كلمهم، فكان طويل الصمت يقول أصحابه الذين كانوا معه ما كلمنا قط إلا فيما لا بد منه.كان يعمل الخرز من أجل ورعه حتى يأكل من عمل يده وكان له والدة وكان بارّاً بها. نسخ بيده -مع صغر سنه- كتاب ابن العسال الكبير. وكان يحب العزلة حتى انتقل إلى سكن البادية يبتغي الإنفراد والعزلة.
ويروي عنه الشيخ محي الدين قصة وذلك أنه كان لا يقضي حاجة أبدا ولا يعمل شغلا قط لمن يعرف منه أنه يراه بعين التعظيم؛ فكان أكثر شغله مع الغرباء الذين يطرقون المدينة لا يعرفونه ولا يعرفهم. فمرة أرسل إليه الشيخ محي الدين بعض أصحابه بنعله وقد قطعه عمدا ليجد سبيلا إلى مكالمته؛ فسلّم عليه فردّ عليه السلام، فقال له: هذا نعلي أخرزه لي. فقال له: إن هذا النعل بيدي أصلح شأنه لصاحبه وقد دفع لي أجره وأنا واقف بحيث لا يراني. فقال له: أمسكه عندك حتى تفرغ من هذا النعل وتصلحه. فقال له الشيخ صالح: ولعلي أموت قبل ذلك؛ ترى غيري دون شغل أدفعه له. فقال: ما أريد أن يصلحه أحد إلا أنت. قال له الشيخ صالح: قد قلت ما سمعت، واشتغل بذكره. قال له: تراني أقعد هنا ونعلي عندي حتى تتمه وتصلحه. قال له ذلك لك إن شئت ولكن حتى أعرفك بأجري عليه. قال له: قل! قال الشيخ صالح: أجري عليه ثمن درهم. قال له الرجل: أنا أدفع لك ربع درهم. قال له الشيخ صالح: ما يساوي. قال له الرجل: ذلك مني مسامحة. قال: غيري أحوج إليه مني، إن كنت تعطي لله فإني قد أخذت قوت اليوم. قال له الرجل: لا بد من ذلك. قال له الشيخ صالح: قد صدعتني يا إنسان سِر عني لا أعمل لك شغلا، وأقبل على
[1] روح القدس: 67.