كتاب شمس المغرب
سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه
جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف
هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب
رؤيا تدل على أنه سوف ينتقل من مقامه إلى ما هو أعلى منه. فقال له الشيخ الميرتلي: بشّرتني بشّرك الله بالجنة!
وبعد وقت يسير نال الشيخ الميرتلي المقام الذي رآه له الشيخ الأكبر، فدخل عليه في اليوم الذي حصل فيه والسرور باد على وجهه، فقام الشيخ الميرتلي إليه وعانقه. فقال له الشيخ الأكبر: هذا تأويل رؤياي من قبل، وبقيت دعوتك أن يبشرني الله بالجنة! فقال الميرتلي: يكون إن شاء الله تعالى.
فيقول الشيخ الأكبر أنه ما تمّ الشهر حتى بشّره الله بالجنة بإيجاد آية منه ظهرت له مصدّقة لدعوى المبشَّر عن الله تحدى بها على صدق بشرى الميرتلي له بالجنة. فيؤكد الشيخ الأكبر أنه يقطع بذلك ولا يشك ألبتة في أنه من أهل الجنة، كما أنه لا يشك في نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم. ولكن الشيخ الأكبر يقول إنه لا يدري هل تمسّه النار أم لا، ويقول: عافانا الله وإياكم وأرجو من كرمه أن لا يفعل.
ولكن، إضافة إلى ذلك، فإن الشيخ الأكبر رضي الله عنه يقول في الباب الثالث والستين وأربعمائة بعد أن اجتمع بالرسل عليهم السلام، كما ذكرنا أعلاه، أنه لمّا أعطاه موسى عليه السلام علم الكشف والإيضاح وعلم تقليب الليل والنهار؛ فلمّا حصل عنده زال الليل وبقي النهار في اليوم كلِّه فلم تغرب له شمس ولا طلعت. فيقول إن هذا الكشف كان له إعلاماً من الله تعالى أنّه لا حظّ له في الشقاء في الآخرة.[1]
وتجدر الإشارة إلى أن ذلك الأمر على غرابته فإنه ليس ببعيد عن المؤمنين الصالحين الذين تولاهم الله برحمته، حيث يقول الله تعالى في سورة فصلت: ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ [30] نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [31] نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ [32])).
السلطان يطلب ابن العربي للسجن
ثم يزيد الشيخ محي الدين بعض التفصيل على هذه البشرى بالجنة، التي بشره بها الشيخ الميرتلي، في كتاب "المبشرات" حيث يقول إنه بعد أيّامٍ من قول أبي عمران له: "يكون إن شاء الله تعالى" رأى الشيخ محي الدين في المنام أحد أصحابه الذين توفاهم الله تعالى وكان بينهم حديث طويل قال له فيه صاحبه هذا أنه سيكون صاحبه في الجنة. ولكن الشيخ محي الدين طلب علامة يتأكّد بها من صدق هذه الرؤيا، فقال لصاحبه في المنام: ما الدليل على قولك؟ فقال له صاحبه: نعم، إذا كان في غدٍ عند صلاة الظهر يطلبك السلطان ليحبسك، فانظر لنفسك. فلما أصبح الشيخ محي الدين ولم يكن ثمّة أمرٌ يستدعي غضب السلطان عليه، ولكنه يقول إنه لما صلى الظهر جاءه الطلب من السلطان، فقال: صدقت الرؤيا. فكان ذلك له بشرى، ولكنه اختفى عن جنود السلطان خمسة عشر يوما حتى ارتفع ذلك الطلب.[2]
[1] الفتوحات المكية: ج4ص77.
[2] رسالة المبشرات، مخطوطة بيازيد 1686.