المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة سبإ: [تفسير البغوي]
كتاب معالم التنزيل، للحسين بن مسعود البغوي، المحدّث والفقيه الشافعي، توفي (510 هـ). وهو تفسير متوسط نقل فيه مصنفه الصحيح من تفسير الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولا يذكر الضعيف.سورة سبإ | ||
( الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ) ملكا وخلقا ( وله الحمد في الآخرة ) كما هو له في الدنيا ، لأن النعم في الدارين كلها منه .
وقيل : الحمد لله في الآخرة هو حمد أهل الجنة كما قال الله تعالى : " وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن " ( فاطر - 34 ) ، و " الحمد لله الذي صدقنا وعده " ( الزمر - 74 ) . ( وهو الحكيم الخبير )
(يعلم ما يلج في الأرض ) أي : يدخل فيها من الماء والأموات ( وما يخرج منها ) من النبات والأموات إذا حشروا ( وما ينزل من السماء ) من الأمطار ( وما يعرج ) يصعد ) ( فيها ) من الملائكة وأعمال العباد ( وهو الرحيم الغفور)
( وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب ) قرأ أهل المدينة والشام : " عالم " بالرفع على الاستئناف ، وقرأ الآخرون بالجر على نعت الرب ، أي : وربي عالم الغيب ، وقرأ حمزة والكسائي : " علام " على وزن فعال ، وبجر الميم . ) ( لا يعزب ) لا يغيب ( عنه مثقال ذرة ) وزن ذرة ( في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ) أي : من الذرة ( ولا أكبر إلا في كتاب مبين )
(ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك ) يعني : الذين آمنوا ( لهم مغفرة ورزق كريم ) حسن ، يعني : في الجنة .
( والذين سعوا في آياتنا معاجزين ) يحسبون أنهم يفوتوننا ( أولئك لهم عذاب من رجز أليم ) قرأ ابن كثير وحفص ويعقوب : " أليم " بالرفع هاهنا وفي الجاثية على نعت العذاب ، وقرأ الآخرون بالخفض على نعت الرجز ، وقال قتادة : الرجز سوء العذاب .
( ويرى الذين ) أي : ويرى الذين ( أوتوا العلم ) يعني : مؤمني أهل الكتاب : عبد الله بن سلام وأصحابه . وقال قتادة : هم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ( الذي أنزل إليك من ربك ) يعني : القرآن ( هو الحق ) يعني : أنه من عند الله ) ( ويهدي ) يعني : القرآن ( إلى صراط العزيز الحميد ) وهو الإسلام .
( وقال الذين كفروا منكرين للبعث متعجبين منه : هل ندلكم على رجل ينبئكم يعنون محمدا - صلى الله عليه وسلم - إذا مزقتم كل ممزق قطعتم كل تقطيع وفرقتم كل تفريق وصرتم ترابا إنكم لفي خلق جديد يقول لكم : إنكم لفي خلق جديد .
( أفترى ) ألف استفهام دخلت على ألف الوصل ولذلك نصبت ( على الله كذبا أم به جنة ) يقولون : أزعم كذبا أم به جنون ؟ .
قال الله تعالى ردا عليهم : ( بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ) من الحق في الدنيا .
( أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض ) فيعلموا أنهم حيث كانوا فإن أرضي وسمائي محيطة بهم لا يخرجون من أقطارها ، وأنا القادر عليهم ( إن نشأ نخسف بهم الأرض ) قرأ الكسائي : " نخسف بهم " بإدغام الفاء في الباء ( أو نسقط عليهم كسفا من السماء ) قرأ حمزة والكسائي : " إن يشأ يخسف أو يسقط " ، بالياء فيهن لذكر الله من قبل ، وقرأ الآخرون بالنون فيهن ) ( إن في ذلك ) أي : فيما ترون من السماء والأرض ) ( لآية ) تدل على قدرتنا على البعث ( لكل عبد منيب ) تائب راجع إلى الله بقلبه .
قوله - عز وجل - : ( ولقد آتينا داود منا فضلا ) يعني النبوة والكتاب ، وقيل : الملك . وقيل : جميع ما أوتي من حسن الصوت وتليين الحديد وغير ذلك مما خص به ) ( يا جبال ) أي : وقلنا يا جبال ) ( أوبي ) أي : سبحي ) ( معه ) إذا سبح ، وقيل : هو تفعيل من الإياب وهو الرجوع ، أي : رجعي معه وقال القتيبي : أصله من التأويب في السير ، وهو أن يسير النهار كله وينزل ليلا كأنه قال أوبي النهار كله بالتسبيح معه . وقال وهب : نوحي معه .
) ( والطير ) عطف على موضع الجبال ، لأن كل منادى في موضع النصب . وقيل : معناه : وسخرنا وأمرنا الطير أن تسبح معه ، وقرأ يعقوب : " والطير " بالرفع ردا على الجبال ، أي : أوبي أنت والطير . وكان داود إذا نادى بالناحية أجابته الجبال بصداها وعكفت الطير عليه من فوقه ، فصدى الجبال الذي يسمعه الناس اليوم من ذلك .
وقيل : كان داود إذا تخلل الجبال فسبح الله جعلت الجبال تجاوبه بالتسبيح نحو ما يسبح .
وقيل : كان داود عليه السلام إذا لحقه فتور أسمعه الله تسبيح الجبال تنشيطا له . ( وألنا له الحديد ) حتى كان الحديد في يده كالشمع والعجين يعمل منه ما يشاء من غير نار ولا ضرب مطرقة .
وكان سبب ذلك على ما روي في الأخبار : أن داود عليه السلام لما ملك بني إسرائيل كان من عادته أن يخرج للناس متنكرا ، فإذا رأى رجلا لا يعرفه تقدم إليه وسأله عن داود ويقول له : ما تقول في داود واليكم هذا أي رجل هو ؟ فيثنون عليه ، ويقولون خيرا ، فقيض الله له ملكا في صورة آدمي ، فلما رآه داود تقدم إليه على عادته فسأله ، فقال الملك : نعم الرجل هو لولا خصلة فيه ، فراع داود ذلك وقال : ما هي يا عبد الله ؟ قال : إنه يأكل ويطعم عياله من بيت المال ، قال فتنبه لذلك وسأل الله أن يسبب له سببا يستغني به عن بيت المال ، فيتقوت منه ويطعم عياله ، فألان الله تعالى له الحديد وعلمه صنعة الدرع ، وإنه أول من اتخذها . ويقال : إنه كان يبيع كل درع بأربعة آلاف درهم ، فيأكل ويطعم منها عياله ويتصدق منها على الفقراء والمساكين .
ويقال إنه كان يعمل كل يوم درعا يبيعها بستة آلاف درهم ، فينفق ألفين منها على نفسه وعياله ، ويتصدق بأربعة آلاف على فقراء بني إسرائيل ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده " .
(أن اعمل سابغات ) دروعا كوامل واسعات طوالا تسحب في الأرض ( وقدر في السرد ) والسرد نسج الدروع ، يقال لصانعه : السراد والزراد ، يقول : قدر المسامير في حلق الدرع أي : لا تجعل المسامير دقاقا فتفلت ولا غلاظا فتكسر الحلق ، ويقال : " السرد " المسمار في الحلقة ، يقال : درع مسرودة أي : مسمورة الحلق ، وقدر في السرد اجعله على القصد وقدر الحاجة ( واعملوا صالحا ) يريد : داود وآله ( إني بما تعملون بصير )
( ولسليمان الريح ) أي : وسخرنا لسليمان الريح ، وقرأ أبو بكر عن عاصم : الريح بالرفع أي : له تسخير الريح ( غدوها شهر ورواحها شهر ) أي : سير غدو تلك الريح المسخرة له مسيرة شهر ، وسير رواحها مسيرة شهر ، وكانت تسير به في يوم واحد مسيرة شهرين .
قال الحسن : كان يغدو من دمشق فيقيل باصطخر وبينهما مسيرة شهر ، ثم يروح من اصطخر فيبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع . وقيل : إنه كان يتغدى بالري ويتعشى بسمرقند .
( وأسلنا له عين القطر ) أي : أذبنا له عين النحاس ، و " القطر " : النحاس .
قال أهل التفسير : أجريت له عين النحاس ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء ، وكان بأرض اليمن ، وإنما ينتفع الناس اليوم بما أخرج الله لسليمان .
( ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ) بأمر ربه ، قال ابن عباس : سخر الله الجن لسليمان وأمرهم بطاعته فيما يأمرهم به ( ومن يزغ ) أي : يعدل ) ( منهم ) من الجن ) ( عن أمرنا ) الذي أمرنا به من طاعة سليمان ( نذقه من عذاب السعير ) في الآخرة ، وقال بعضهم : في الدنيا وذلك أن الله - عز وجل - وكل بهم ملكا بيده سوط من نار فمن زاغ منهم عن أمر سليمان ضربه ضربة أحرقته .
( يعملون له ما يشاء من محاريب ) أي : مساجد ، والأبنية المرتفعة ، وكان مما عملوا له بيت المقدس ابتدأه داود ورفعه قدر قامة رجل ، فأوحى الله إليه إني لم أقض ذلك على يدك ولكن ابن لك أملكه بعدك اسمه سليمان أقضي تمامه على يده ، فلما توفاه الله استخلف سليمان فأحب إتمام بناء بيت المقدس ، فجمع الجن والشياطين وقسم عليهم الأعمال فخص كل طائفة منهم بعمل يستخلصها له ، فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام والمها الأبيض من معادنه ، وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفاح ، وجعلها اثني عشر ربضا ، وأنزل كل ربض منها سبطا من الأسباط ، وكانوا اثني عشر سبطا ، فلما فرغ من بناء المدينة ابتدأ في بناء المسجد فوجه الشياطين فرقا فرقا يستخرجون الذهب والفضة والياقوت من معادنها والدر الصافي من البحر ، وفرقا يقلعون الجواهر والحجارة من أماكنها ، وفرقا يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب من أماكنها ، فأتى من ذلك بشيء لا يحصيه إلا الله - عز وجل - ، ثم أحضر الصناعين وأمرهم بنحت تلك الحجارة المرتفعة وتصييرها ألواحا وإصلاح تلك الجواهر وثقب اليواقيت واللآلىء ، فبنى المسجد بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر وعمده بأساطين المها الصافي وسقفه بألواح الجواهر الثمينة وفصص سقوفه وحيطانه باللآلىء واليواقيت وسائر الجواهر ، وبسط أرضه بألواح الفيروز فلم يكن يومئذ في الأرض بيت أبهى ولا أنور من ذلك المسجد ، وكان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر ، فلما فرغ منه جمع إليه أحبار بني إسرائيل فأعلمهم أنه بناه لله - عز وجل - ، وأن كل شيء فيه خالص لله ، واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيدا .
وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سأل ربه ثلاثا فأعطاه اثنين ، وأنا أرجو أن يكون أعطاه الثالثة ، سأل حكما يصادف حكمه ، فأعطاه إياه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، فأعطاه إياه ، وسأله أن لا يأتي هذا البيت أحد يصلي فيه ركعتين إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وأنا أرجو أن يكون . قد أعطاه ذلك " . .
قالوا : فلم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى غزاه بختنصر فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد ، وأخذ ما كان في سقوفه وحيطانه من الذهب والفضة والدر والياقوت وسائر الجواهر ، فحمله إلى دار مملكته من أرض العراق ، وبنى الشياطين لسليمان باليمن حصونا كثيرة [ عجيبة ] من الصخر .
قوله - عز وجل - : ) ( وتماثيل ) أي : كانوا يعملون له تماثيل ، أي : صورا من نحاس وصفر وشبة وزجاج ورخام . وقيل : كانوا يصورون السباع والطيور . وقيل : كانوا يتخذون صور الملائكة والأنبياء والصالحين في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة ، ولعلها كانت مباحة في شريعتهم ، كما أن عيسى كان يتخذ صورا من الطين فينفخ فيها فتكون طيرا [ بإذن الله .
) ( وجفان ) أي : قصاع واحدتها جفنة ) ( كالجواب ) كالحياض التي يجبى فيها الماء ، أي : يجمع ، واحدتها جابية ، يقال : كان يقعد على الجفنة الواحدة ألف رجل يأكلون منها ( وقدور راسيات ) ثابتات لها قوائم لا يحركن عن أماكنها لعظمهن ، ولا ينزلن ولا يعطلن ، وكان يصعد عليها بالسلالم ، وكانت باليمن .
( اعملوا آل داود شكرا ) أي : وقلنا اعملوا آل داود شكرا ، مجازه : اعملوا يا آل داود بطاعة الله شكرا له على نعمه .
( وقليل من عبادي الشكور ) أي : العامل بطاعتي شكرا لنعمتي .
قيل : المراد من " آل داود " هو داود نفسه . وقيل : داود وسليمان وأهل بيته .
وقال جعفر بن سليمان : سمعت ثابتا يقول : كان داود نبي الله عليه السلام قد جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم تكن تأتي ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي .
(فلما قضينا عليه الموت ) أي : على سليمان .
قال أهل العلم : كان سليمان عليه السلام يتجرد في بيت المقدس السنة والسنتين ، والشهر والشهرين ، وأقل من ذلك وأكثر يدخل فيه طعامه وشرابه ، فأدخله في المرة التي مات فيها ، وكان بدء ذلك أنه كان لا يصبح يوما إلا نبتت في محراب بيت المقدس شجرة ، فيسألها : ما اسمك ؟ فتقول : اسمي كذا ، فيقول : لأي شيء أنت ؟ فتقول : لكذا وكذا ، فيأمر بها فتقطع ، فإن كانت نبتت لغرس غرسها ، وإن كانت لدواء كتب ، حتى نبتت الخروبة ، فقال لها : ما أنت ؟ قالت : الخروبة ، قال : لأي شيء نبت ؟ قالت : لخراب مسجدك ، فقال سليمان : ما كان الله ليخربه وأنا حي ، أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس ! فنزعها وغرسها في حائط له ، ثم قال : اللهم عم على الجن موتي حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب ، وكانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون من الغيب أشياء ويعلمون ما في غد ، ثم دخل المحراب فقام يصلي متكئا على عصاه فمات قائما وكان للمحراب كوى بين يديه وخلفه ، فكانت الجن يعملون تلك الأعمال الشاقة التي كانوا يعملون في حياته ، وينظرون إليه يحسبون أنه حي ، ولا ينكرون احتباسه عن الخروج إلى الناس لطول صلاته قبل ذلك ، فمكثوا يدأبون له بعد موته حولا كاملا حتى أكلت الأرضة عصا سليمان ، فخر ميتا فعلموا بموته .
قال ابن عباس : فشكرت الجن الأرضة فهم يأتونها بالماء والطين في جوف الخشب ، فذلك قوله : ( ما دلهم على موته إلا دابة الأرض ) وهي الأرضة ( تأكل منسأته ) يعني : عصاه ، قرأ أهل المدينة ، وأبو عمرو : " منساته " بغير همز ، وقرأ الباقون بالهمز ، وهما لغتان ، ويسكن ابن عامر الهمز ، وأصلها من : نسأت الغنم ، أي : زجرتها وسقتها ، ومنه : نسأ الله في أجله ، أي : أخره .
( فلما خر ) أي : سقط على الأرض ( تبينت الجن ) أي : علمت الجن وأيقنت ( أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ) أي : في التعب والشقاء مسخرين لسليمان وهو ميت يظنونه حيا ، أراد الله بذلك أن يعلم الجن أنهم لا يعلمون الغيب ، لأنهم كانوا يظنون أنهم يعلمون الغيب ، لغلبة الجهل . وذكر الأزهري : أن معنى " تبينت الجن " ، أي : ظهرت وانكشفت الجن للإنس ، أي : ظهر أمرهم أنهم لا يعلمون الغيب ، لأنهم كانوا قد شبهوا على الإنس ذلك ، وفي قراءة ابن مسعود ، وابن عباس : تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ، أي : علمت الإنس وأيقنت ذلك .
وقرأ يعقوب : " تبينت " بضم التاء وكسر الياء [ أي : أعلمت الإنس الجن ، ذكر بلفظ ما لم يسم فاعله ، " وتبين " لازم ومتعد .
وذكر أهل التاريخ أن سليمان كان عمره ثلاثا وخمسين سنة ، ومدة ملكه أربعون سنة ، وملك يوم ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وابتدأ في بناء بيت المقدس لأربع سنين مضين من ملكه .
قوله - عز وجل - : ( لقد كان لسبإ في مسكنهم ) روى أبو سبرة النخعي عن فروة بن مسيك العطيفي ، قال : قال رجل : يا رسول الله أخبرني عن سبأ كان رجلا أو امرأة أو أرضا ؟ قال : " كان رجلا من العرب وله عشرة من الولد ، تيامن منهم ستة ، وتشاءم أربعة ، فأما الذين تيامنوا : فكندة ، والأشعريون ، وأزد ، ومذحج ، وأنمار ، وحمير ، فقال رجل : وما أنمار ؟ قال الذين منهم خثعم وبجيلة : وأما الذين تشاءموا : فعاملة ، وجذام ، ولخم ، وغسان ، وسبأ هو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان " .
( في مسكنهم ) قرأ حمزة ، وحفص : " مسكنهم " بفتح الكاف ، على الواحد ، وقرأ الكسائي بكسر الكاف ، وقرأ الآخرون : " مساكنهم " على الجمع ، وكانت مساكنهم بمأرب من اليمن ) ( آية ) دلالة على وحدانيتنا وقدرتنا ، ثم فسر الآية فقال : ) ( جنتان ) أي : هي جنتان بستانان ( عن يمين وشمال ) أي : عن يمين الوادي وشماله . وقيل : عن يمين من أتاهم وشماله ، وكان لهم واد قيل أحاطت الجنتان بذلك الوادي ) ( كلوا ) أي : وقيل لهم كلوا ( من رزق ربكم ) يعني : من ثمار الجنتين ، قال السدي ومقاتل : كانت المرأة تحمل مكتلها على رأسها وتمر بالجنتين فيمتلىء مكتلها من أنواع الفواكه من غير أن تمس شيئا بيدها ( واشكروا له ) أي : على ما رزقكم من النعمة ، والمعنى : اعملوا بطاعته ( بلدة طيبة ) أي : أرض سبأ بلدة طيبة ليست بسبخة ، قال ابن زيد : لم يكن يرى في بلدتهم بعوضة ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية ، وكان الرجل يمر ببلدهم وفي ثيابه القمل فيموت القمل كله من طيب الهواء ، فذلك قوله تعالى : ( بلدة طيبة ) أي : طيبة الهواء ( ورب غفور ) قال مقاتل : وربكم إن شكرتموه فيما رزقكم رب غفور للذنوب . )
( فأعرضوا ) قال وهب : فأرسل الله إلى سبأ ثلاثة عشر نبيا فدعوهم إلى الله وذكروهم نعمه عليهم وأنذروهم عقابه فكذبوهم ، وقالوا : ما نعرف لله - عز وجل - علينا نعمة فقولوا لربكم فليحبس هذه النعم عنا إن استطاع ، فذلك قوله تعالى : ( فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم ) و " العرم " : جمع عرمة ، وهي السكر الذي يحبس به الماء .
وقال ابن الأعرابي : " العرم " السيل الذي لا يطاق ، وقيل : كان ماء أحمر ، أرسله الله عليهم من حيث شاء ، وقيل : " العرم " : الوادي ، وأصله من العرامة ، وهي الشدة والقوة .
وقال ابن عباس ، ووهب ، وغيرهما : كان ذلك السد بنته بلقيس ، وذلك أنهم كانوا يقتتلون على ماء واديهم ، فأمرت بواديهم فسد بالعرم ، وهو المسناة بلغة حمير ، فسدت بين الجبلين بالصخر والقار وجعلت له أبوابا ثلاثة بعضها فوق بعض ، وبنت من دونه بركة ضخمة وجعلت فيها اثني عشر مخرجا على عدة أنهارهم يفتحونها إذا احتاجوا إلى الماء ، وإذا استغنوا سدوها ، فإذا جاء المطر اجتمع إليه ماء أودية اليمن ، فاحتبس السيل من وراء السد فأمرت بالباب الأعلى ففتح فجرى ماؤه في البركة ، فكانوا يسقون من الباب الأعلى ثم من الثاني ثم من الثالث الأسفل فلا ينفذ الماء حتى يثوب الماء من السنة المقبلة فكانت تقسمه بينهم على ذلك ، فبقوا على ذلك بعدها مدة فلما طغوا وكفروا سلط الله عليهم جرذا يسمى الخلد فنقب السد من أسفله فغرق الماء جناتهم وخرب أرضهم .
قال وهب : وكان مما يزعمون ويجدون في علمهم وكهانتهم أنه يخرب سدهم فأرة ، فلم يتركوا فرجة بين حجرين إلا ربطوا عندها هرة فلما جاء زمانه وما أراد الله - عز وجل - بهم من التغريق أقبلت فيما يذكرون فأرة حمراء كبيرة إلى هرة من تلك الهرر فساورتها حتى استأخرت عنها الهرة ، فدخلت في الفرجة التي كانت عندها فتغلغلت في السد فثقبت وحفرت حتى أوهنته للسيل ، وهم لا يدرون بذلك فلما جاء السيل وجد خللا فدخل فيه حتى قطع السد ، وفاض على أموالهم فغرقها ودفن بيوتهم الرمل ، ففرقوا وتمزقوا حتى صاروا مثلا عند العرب ، يقولون : صار بنو فلان أيدي سبأ وأيادي سبأ ، أي : تفرقوا وتبددوا ، فذلك قوله تعالى : ( فأرسلنا عليهم سيل العرم )
( وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط ) قرأ العامة بالتنوين ، وقرأ أهل البصرة : " أكل خمط " بالإضافة ، الأكل : الثمر ، والخمط : الأراك وثمره يقال له : البرير ، هذا قول أكثر المفسرين .
وقال المبرد والزجاج : كل نبت قد أخذ طعما من المرارة حتى لا يمكن أكله فهو خمط .
وقال ابن الأعرابي : الخمط : ثمر شجرة يقال له فسوة الضبع ، على صورة الخشخاش يتفرك ولا ينتفع به ، فمن جعل الخمط اسما للمأكول فالتنوين في " أكل " حسن ، ومن جعله أصلا وجعل الأكل ثمرة فالإضافة فيه ظاهرة ، والتنوين سائغ ، تقول العرب : في بستان فلان أعناب كرم ، يترجم الأعناب بالكرم لأنها منه .
( وأثل وشيء من سدر قليل ) فالأثل هو الطرفاء ، وقيل : هو شجر يشبه الطرفاء إلا أنه أعظم منه ، والسدر شجر معروف ، وهو شجر النبق ينتفع بورقه لغسل الرأس ويغرس في البساتين ، ولم يكن هذا من ذلك ، بل كان سدرا بريا لا ينتفع به ولا يصلح ورقه لشيء .
قال قتادة : كان شجر القوم من خير الشجر فصيره الله من شر الشجر بأعمالهم .
( ذلك جزيناهم بما كفروا ) أي : ذلك الذي فعلنا بهم جزيناهم بكفرهم ( وهل نجازي إلا الكفور ) قرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص ، ويعقوب : " وهل نجازي " بالنون وكسر الزاي ، " الكفور " نصب لقوله : " ذلك جزيناهم " ، وقرأ الآخرون بالياء وفتح الزاي ، " الكفور " رفع ، أي : وهل يجازى مثل هذا الجزاء إلا الكفور .
وقال مجاهد : يجازى أي : يعاقب . ويقال في العقوبة : يجازي ، وفي المثوبة يجزي .
قال مقاتل : هل يكافأ بعمله السيء إلا الكفور لله في نعمه .
قال الفراء : المؤمن يجزى ولا يجازى ، أي : يجزى للثواب بعمله ولا يكافأ بسيئاته .
( وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها ) بالماء والشجر ، هي قرى الشام ( قرى ظاهرة ) متواصلة تظهر الثانية من الأولى لقربها منها ، وكان متجرهم من اليمن إلى الشام فكانوا يبيتون بقرية ويقيلون بأخرى وكانوا لا يحتاجون إلى حمل زاد من سبأ إلى الشام .
وقيل : كانت قراهم أربعة آلاف وسبعمائة قرية متصلة من سبأ إلى الشام .
( وقدرنا فيها السير ) أي : قدرنا سيرهم بين هذه القرى ، وكان مسيرهم في الغدو والرواح على قدر نصف يوم ، [ فإذا ساروا نصف يوم ] وصلوا إلى قرية ذات مياه وأشجار .
وقال قتادة : كانت المرأة تخرج ومعها مغزلها ، وعلى رأسها مكتلها فتمتهن بمغزلها فلا تأتي بيتها حتى يمتلىء مكتلها من الثمار ، وكان ما بين اليمن والشام كذلك .
( سيروا فيها ) أي : وقلنا لهم سيروا فيها ، وقيل : هو أمر بمعنى الخبر أي : مكناهم من السير فكانوا يسيرون فيها ( ليالي وأياما ) أي : بالليالي والأيام في أي وقت شئتم ) ( آمنين ) لا تخافون عدوا ولا جوعا ولا عطشا ، فبطروا وطغوا ولم يصيروا على العافية ، وقالوا : لو كانت جناتنا أبعد مما هي كان أجدر أن نشتهيه .
( فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا ) فاجعل بيننا وبين الشام فلوات ومفاوز لنركب فيها الرواحل ونتزود الأزواد ، فعجل الله لهم الإجابة . وقال مجاهد : بطروا النعمة وسئموا الراحة .
قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : بعد بالتشديد من التبعيد ، وقرأ الآخرون : باعد ، بالألف ، وكل على وجه الدعاء والسؤال ، وقرأ يعقوب : " ربنا " برفع الباء ، " باعد " بفتح العين والدال على الخبر ، كأنهم استبعدوا أسفارهم القريبة بطروا وأشروا .
( وظلموا أنفسهم ) بالبطر والطغيان . ( فجعلناهم أحاديث ) عبرة لمن بعدهم يتحدثون بأمرهم وشأنهم ( ومزقناهم كل ممزق ) فرقناهم في كل وجه من البلاد كل التفريق . قال الشعبي : لما غرقت قراهم تفرقوا في البلاد ، أما غسان فلحقوا بالشام ومر الأزد إلى عمان ، وخزاعة إلى تهامة ، ومر آل خزيمة إلى العراق ، والأوس والخزرج إلى يثرب ، وكان الذي قدم منهم المدينة عمرو بن عامر ، وهو جد الأوس والخزرج .
( إن في ذلك لآيات ) لعبرا ودلالات ( لكل صبار ) عن معاصي الله ) ( شكور ) لأنعمه ، قال مقاتل : يعني المؤمن من هذه الأمة صبور على البلاء شاكر للنعماء . قال مطرف : هو المؤمن إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر .
قوله - عز وجل - : ( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ) قرأ أهل الكوفة : " صدق " بالتشديد أي : ظن فيهم ظنا حيث قال : " فبعزتك لأغوينهم أجمعين " ( ص 82 ) ، " ولا تجد أكثرهم شاكرين " ( الأعراف 17 ) فصدق ظنه وحققه بفعله ذلك بهم واتباعهم إياه ، وقرأ الآخرون بالتخفيف ، أي : صدق عليهم في ظنه بهم ، أي : على أهل سبأ . وقال مجاهد : على الناس كلهم إلا من أطاع الله ( فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ) قال السدي عن ابن عباس : يعني المؤمنين كلهم لأن المؤمنين لم يتبعوه في أصل الدين ، وقد قال الله تعالى : " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " ( الحجر - 42 ) ، يعني : المؤمنين . وقيل : هو خاص بالمؤمنين الذين يطيعون الله ولا يعصونه .
قال ابن قتيبة : إن إبليس لما سأل النظرة فأنظره الله ، قال لأغوينهم ولأضلنهم ، لم يكن مستيقنا وقت هذه المقالة أن ما قاله فيهم يتم وإنما قاله ظنا ، فلما اتبعوه وأطاعوه صدق عليهم ما ظنه فيهم .
قال الحسن : إنه لم يسل عليهم سيفا ولا ضربهم بسوط وإنما وعدهم ومناهم فاغتروا .
قال الله تعالى : ( وما كان له عليهم من سلطان ) أي : ما كان تسليطنا إياه عليهم ( إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك ) أي : إلا لنعلم ، لنرى ونميز المؤمن من الكافر ، وأراد علم الوقوع والظهور ، وقد كان معلوما عنده بالغيب ( وربك على كل شيء حفيظ ) رقيب . )
( قل ) يا محمد لكفار مكة ( ادعوا الذين زعمتم ) أنهم آلهة ) ( من دون الله ) وفي الآية حذف ، أي : ادعوهم ليكشفوا الضر الذي نزل بكم في سني الجوع ، ثم وصفها فقال : ( لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ) من خير وشر ونفع وضر ) ( وما لهم ) أي : للآلهة ) ( فيهما ) في السماوات والأرض ) ( من شرك ) شركة ) ( وما له ) أي : وما لله ) ( منهم من ظهير ) عون .
( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ) الله في الشفاعة ، قاله تكذيبا لهم حيث قالوا : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، ويجوز أن يكون المعنى إلا لمن أذن الله في أن يشفع له ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي : ) ( أذن ) بضم الهمزة .
( حتى إذا فزع عن قلوبهم ) قرأ ابن عامر ، ويعقوب بفتح الفاء والزاي ، وقرأ الآخرون بضم الفاء وكسر الزاي أي : كشف الفزع وأخرج عن قلوبهم ، فالتفريغ إزالة الفزع كالتمريض والتفريد .
واختلفوا في الموصوفين بهذه الصفة ، فقال قوم : هم الملائكة ، ثم اختلفوا في ذلك السبب فقال بعضهم : إنما يفزع عن قلوبهم من غشية تصيبهم عند سماع كلام الله - عز وجل - . وروينا عن أبي هريرة أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم ( قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير )
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، قال : أنبأني محمد بن الفضل بن محمد ، أخبرنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ، أخبرنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري ، أخبرنا نعيم بن حماد ، أخبرنا أبو الوليد بن مسلم ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن أبي زكريا ، عن رجاء بن حيوة ، عن النواس بن سمعان قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أراد الله أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السماوات منه رجفة أو قال : رعدة شديدة خوفا من الله تعالى ، فإذا سمع بذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجدا ، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل ، فيكلمه الله من وحيه بما أراد ، ثم يمر جبريل على الملائكة كلما مر بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل ؟ فيقول جبريل : قال الحق وهو العلي الكبير ، قال فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل ، فينتهي جبريل بالوحي حيث أمره الله " .
وقال بعضهم إنما يفزعون حذرا من قيام الساعة .
قال مقاتل والكلبي والسدي : كانت الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام ، خمسمائة وخمسين سنة ، وقيل ستمائة سنة لم تسمع الملائكة فيها وحيا ، فلما بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة فلما سمعت الملائكة ظنوا أنها الساعة ، لأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - عند أهل السماوات من أشراط الساعة ، فصعقوا مما سمعوا خوفا من قيام الساعة ، فلما انحدر جبريل جعل يمر بأهل كل سماء فيكشف عنهم فيرفعون رؤوسهم ويقول بعضهم لبعض : ماذا قال ربكم ؟ قالوا : قال الحق ، يعني الوحي ، وهو العلي الكبير .
وقال جماعة : الموصوفون بذلك المشركون .
قال الحسن وابن زيد : حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين عند نزول الموت بهم إقامة للحجة عليهم قالت لهم الملائكة ماذا قال ربكم في الدنيا ؟ قالوا : الحق ، فأقروا به حين لا ينفعهم الإقرار .
قوله تعالى : ( قل من يرزقكم من السماوات والأرض ) فالرزق من السماوات : المطر ، ومن الأرض : النبات ) ( قل الله ) أي : إن لم يقولوا رازقنا الله فقل أنت إن رازقكم هو الله ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) ليس هذا على طريق الشك ولكن على جهة الإنصاف في الحجاج ، كما يقول القائل للآخر : أحدنا كاذب ، وهو يعلم أنه صادق وصاحبه كاذب .
والمعنى : ما نحن وأنتم على أمر واحد بل أحد الفريقين مهتد والآخر ضال ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ومن اتبعه على الهدى ، ومن خالفه في ضلال ، فكذبهم من غير أن يصرح بالتكذيب .
وقال بعضهم : " أو " بمعنى الواو ، والألف فيه صلة ، كأنه قال : وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ، يعني : نحن على الهدى وأنتم في الضلال .
" قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون ".
( قل يجمع بيننا ربنا ) يعني : يوم القيامة ( ثم يفتح ) يقضي ( بيننا بالحق وهو الفتاح العليم )
(قل أروني الذين ألحقتم به شركاء ) أي : أعلموني الذين ألحقتموهم به ، أي : بالله ، شركاء في العبادة معه هل يخلقون وهل يرزقون ) ( كلا ) لا يخلقون ولا يرزقون ( بل هو الله العزيز ) الغالب على أمره ) ( الحكيم ) في تدبيره لخلقه فأنى يكون له شريك في ملكه .
قوله - عز وجل - : ( وما أرسلناك إلا كافة للناس ) يعني : للناس عامة لأحمرهم وأسودهم ) ( بشيرا ونذيرا ) أي : مبشرا ومنذرا ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) وروينا عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " .
وقيل : كافة أي : كافا يكفهم عما هم عليه من الكفر ، والهاء للمبالغة .
"ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين"، يعني القيامة.
( قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون ) أي : لا تتقدمون عليه يعني يوم القيامة ، وقال الضحاك : يوم الموت لا تتأخرون عنه ولا تتقدمون بأن يزاد في أجلكم أو ينقص منه .
( وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ) يعني : التوراة والإنجيل ) ( ولو ترى ) يا محمد ( إذ الظالمون موقوفون ) محبوسون ( عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول ) يرد بعضهم إلى بعض القول في الجدال ( يقول الذين استضعفوا ) استحقروا وهم الأتباع ( للذين استكبروا ) وهم القادة والأشراف ( لولا أنتم لكنا مؤمنين ) أي : أنتم منعتمونا عن الإيمان بالله ورسوله .
( قال الذين استكبروا ) أجابهم المتبوعون في الكفر ( للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين ) بترك الإيمان .
( وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار ) أي : مكركم بنا في الليل والنهار ، والعرب تضيف الفعل إلى الليل والنهار على توسع الكلام ؟ كما قال الشاعر :
ونمت وما ليل المطي بنائم
وقيل : مكر الليل والنهار هو طول السلامة وطول الأمل فيهما ، كقوله تعالى : " فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم " ( الحديد - 16 ) .
( إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا ) أظهروا ) ( الندامة ) وقيل : أخفوا ، وهو من الأضداد ( لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا ) في النار الأتباع والمتبوعين جميعا . ( هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ) من الكفر والمعاصي في الدنيا .
( وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها ) رؤساؤها وأغنياؤها ( إنا بما أرسلتم به كافرون )
( وقالوا ) يعني : قال المترفون للفقراء الذين آمنوا : ( نحن أكثر أموالا وأولادا ) ولو لم يكن الله راضيا بما نحن عليه من الدين والعمل لم يخولنا الأموال والأولاد ( وما نحن بمعذبين ) أي : إن الله أحسن إلينا في الدنيا بالمال والولد فلا يعذبنا .
( قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) يعني : أن الله يبسط الرزق ويقدر ابتلاء وامتحانا لا يدل البسط على رضا الله عنه ولا التضييق على سخطه ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) أنها كذلك .
(وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ) أي : قربى ، قال الأخفش : " قربى " اسم مصدر كأنه قال بالتي تقربكم عندنا تقريبا ( إلا من آمن ) يعني : لكن من آمن ( وعمل صالحا ) قال ابن عباس : يريد إيمانه وعمله يقربه مني ( فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا ) أي : يضعف الله لهم حسناتهم فيجزي بالحسنة الواحدة عشر إلى سبعمائة قرأ يعقوب : " جزاء " منصوبا منونا " الضعف " رفع ، تقديره : فأولئك لهم الضعف جزاء ، وقرأ العامة بالإضافة ( وهم في الغرفات آمنون ) قرأ حمزة : " في الغرفة " على واحده ، وقرأ الآخرون بالجمع لقوله : " لنبوأنهم من الجنة غرفا " ( العنكبوت - 58 ) .
( والذين يسعون ) يعملون ) ( في آياتنا ) في إبطال حجتنا ) ( معاجزين ) معاندين يحسبون أنهم يعجزوننا ويفوتوننا ( أولئك في العذاب محضرون)
( قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ) أي : يعطي خلفه ، قال سعيد بن جبير : ما كان في غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه .
وقال الكلبي : ما تصدقتم من صدقة وأنفقتم في الخير من نفقة فهو يخلفه على المنفق ، إما أن يعجله في الدنيا وإما أن يدخره له في الآخرة .
( وهو خير الرازقين ) خير من يعطي ويرزق .
وروينا عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله تعالى قال : أنفق أنفق عليك " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إسماعيل ، حدثنا أبي ، عن سليمان هو ابن بلال ، عن معاوية بن أبي مزرد ، عن أبي الحباب ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، أخبرنا ابن أبي أويس ، أخبرنا عبد العزيز بن محمد ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر الرياني ، أخبرنا حميد ابن زنجويه ، أخبرنا أبو الربيع ، أخبرنا عبد الحميد بن الحسن الهلالي ، أخبرنا محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كل معروف صدقة وكل ما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له صدقة ، وما وقى الرجل به عرضه كتب له بها صدقة " ، قلت : ما يعني وقى الرجل عرضه ؟ قال : " ما أعطى الشاعر وذا اللسان المتقى ، وما أنفق المؤمن من نفقة فعلى الله خلفها ضامنا إلا ما كان من نفقة في بنيان أو في معصية الله - عز وجل - " .
قوله : " قلت ما يعني " يقول عبد الحميد لمحمد بن المنكدر .
قال مجاهد : إذا كان في يد أحدكم شيء فليقتصد ، ولا يتأول هذه الآية : وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ، فإن الرزق مقسوم لعل رزقه قليل ، وهو ينفق نفقة الموسع عليه . ومعنى الآية : وما كان من إخلاف فهو منه .
قوله تعالى : ( ويوم يحشرهم ) قرأ يعقوب وحفص : " يحشرهم " ، وقرأ الآخرون بالنون ) ( جميعا ) يعني : هؤلاء الكفار ( ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ) في الدنيا ، قال قتادة : هذا استفهام تقرير ، كقوله تعالى لعيسى : " أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " ( مريم - 116 ) ، فتتبرأ منهم الملائكة .
( قالوا سبحانك ) تنزيها لك ( أنت ولينا من دونهم ) أي : نحن نتولاك ولا نتولاهم ( بل كانوا يعبدون الجن ) يعني : الشياطين ، فإن قيل لهم كانوا يعبدون الملائكة فكيف وجه قوله : ( يعبدون الجن ) قيل : أراد الشياطين ، زينوا لهم عبادة الملائكة ، فهم كانوا يطيعون الشياطين في عبادة الملائكة ، فقوله ) ( يعبدون ) أي : يطيعون الجن ( أكثرهم بهم مؤمنون ) يعني : مصدقون للشياطين .
ثم يقول الله : ( فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ) بالشفاعة ) ( ولا ضرا ) بالعذاب ، يريد أنهم عاجزون ، لا نفع عندهم ولا ضر ( ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون)
( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا ) يعنون محمدا - صلى الله عليه وسلم - ( إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى ) يعنون القرآن ( وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين ) أي : بين .
( وما آتيناهم ) يعني : هؤلاء المشركين ( من كتب يدرسونها ) يقرؤونها ( وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير ) أي : لم يأت العرب قبلك نبي ولا نزل عليهم كتاب .
( وكذب الذين من قبلهم ) من الأمم رسلنا ، وهم : عاد ، وثمود ، وقوم إبراهيم ، وقوم لوط وغيرهم ( وما بلغوا ) يعني : هؤلاء المشركين ) ( معشار ) أي : عشر ) ( ما آتيناهم ) أي : أعطينا الأمم الخالية من القوة والنعمة وطول العمر ( فكذبوا رسلي فكيف كان نكير ) أي : إنكاري وتغييري عليهم ، يحذر كفار هذه الأمة عذاب الأمم الماضية .
( قل إنما أعظكم بواحدة ) آمركم وأوصيكم بواحدة ، أي : بخصلة واحدة ، ثم بين تلك الخصلة فقال : ( أن تقوموا لله ) لأجل الله ) ( مثنى ) أي : اثنين اثنين ) ( وفرادى ) أي : واحدا واحدا ) ( ثم تتفكروا ) جميعا أي : تجتمعون فتنظرون وتتحاورون وتنفردون ، فتفكرون في حال محمد - صلى الله عليه وسلم - فتعلموا ( ما بصاحبكم من جنة ) جنون ، وليس المراد من القيام القيام الذي هو ضد الجلوس ، وإنما هو قيام بالأمر الذي هو في طلب الحق ، كقوله : " وأن تقوموا لليتامى بالقسط " ( النساء - 127 ) . ) ( إن هو ) ما هو ( إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ) قال مقاتل : تم الكلام عند قوله : " ثم تتفكروا " أي : في خلق السماوات والأرض فتعلموا أن خالقها واحد لا شريك له ، ثم ابتدأ فقال : " ما بصاحبكم من جنة " .
( قل ما سألتكم من أجر ) على تبليغ الرسالة ) ( من أجر ) جعل ) ( فهو لكم ) يقول : قل لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجرا فتتهموني ، ومعنى قوله : " فهو لكم " أي : لم أسألكم شيئا كقول القائل : ما لي من هذا فقد وهبته لك يريد ليس لي فيه شيء ) ( إن أجري ) ما ثوابي ( إلا على الله وهو على كل شيء شهيد )
(قل إن ربي يقذف بالحق ) والقذف الرمي بالسهم والحصى ، والكلام ، ومعناه : يأتي بالحق وبالوحي ينزله من السماء فيقذفه إلى الأنبياء ( علام الغيوب ) رفع بخبر إن ، أي : وهو علام الغيوب .
( قل جاء الحق ) يعني : القرآن والإسلام ( وما يبدئ الباطل وما يعيد ) أي : ذهب الباطل وزهق فلم يبق منه بقية يبدئ شيئا أو يعيد ، كما قال تعالى : " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه " ( الأنبياء - 48 ) ، وقال قتادة : " الباطل " هو إبليس ، وهو قول مقاتل والكلبي ، وقيل : " الباطل " : الأصنام .
( قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي ) وذلك أن كفار مكة كانوا يقولون له : إنك قد ضللت حين تركت دين آبائك ، فقال الله تعالى : ( قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي ) أي : إثم ضلالتي على نفسي ( وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي ) من القرآن والحكمة ( إنه سميع قريب )
(ولو ترى إذ فزعوا ) قال قتادة عند البعث حين يخرجون من قبورهم ) ( فلا فوت ) أي : فلا يفوتونني كما قال : " ولات حين مناص " ( ص - 3 ) ، وقيل : إذ فزعوا فلا فوت ولا نجاة ( وأخذوا من مكان قريب ) قال الكلبي من تحت أقدامهم ، وقيل : أخذوا من بطن الأرض إلى ظهرها ، وحيثما كانوا فهم من الله قريب ، لا يفوتونه . وقيل : من مكان قريب يعني عذاب الدنيا . وقال الضحاك : يوم بدر . وقال ابن أبزى : خسفوا بالبيداء ، وفي الآية حذف تقديره : ولو ترى إذ فزعوا لرأيت أمرا تعتبر به .
( وقالوا آمنا به ) حين عاينوا العذاب ، قيل : عند اليأس . وقيل : عند البعث . ) ( وأنى ) من أين ( لهم التناوش ) قرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر : التناوش بالمد والهمزة ، وقرأ الآخرون بواو صافية من غير مد ولا همز ، ومعناه التناول ، أي : كيف لهم تناول ما بعد عنهم ، وهو الإيمان والتوبة ، وقد كان قريبا في الدنيا فضيعوه ، ومن همز قيل : معناه هذا أيضا .
وقيل التناوش بالهمزة من النبش وهو حركة في إبطاء ، يقال : جاء نبشا أي : مبطئا متأخرا ، والمعنى من أين لهم الحركة فيما لا حيلة لهم فيه ، وعن ابن عباس قال : يسألون الرد إلى الدنيا فيقال وأنى لهم الرد إلى الدنيا .
( من مكان بعيد ) أي : من الآخرة إلى الدنيا .
( وقد كفروا به من قبل ) أي : بالقرآن ، وقيل : بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، من قبل أن يعاينوا العذاب وأهوال القيامة ( ويقذفون بالغيب من مكان بعيد ) قال مجاهد : يرمون محمدا بالظن لا باليقين ، وهو قولهم ساحر وشاعر وكاهن ، ومعنى الغيب : هو الظن لأنه غاب علمه عنهم ، والمكان البعيد : بعدهم عن علم ما يقولون ، والمعنى يرمون محمدا بما لا يعلمون من حيث لا يعلمون . وقال قتادة : يرجمون بالظن يقولون لا بعث ولا جنة ولا نار .
( وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) ، أي : الإيمان والتوبة والرجوع إلى الدنيا . وقيل : نعيم الدنيا وزهرتها ( كما فعل بأشياعهم ) ، أي : بنظرائهم ومن كان على مثل حالهم من الكفار ) ( من قبل ) ، أي : لم يقبل منهم الإيمان والتوبة في وقت اليأس ( إنهم كانوا في شك ) ، من البعث ونزول العذاب بهم ) ( مريب ) ، موقع لهم الريبة والتهمة .
اسم السورة | سورة سبإ (Saba - Sheba) |
ترتيبها | 34 |
عدد آياتها | 54 |
عدد كلماتها | 884 |
عدد حروفها | 3510 |
معنى اسمها | سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ (سَبَأٍ) فَقَالَ: «هُوَ رَجُلٌ وُلِدَ لهُ عَشْرَةٌ، سَكَنَ اليَمَنَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ، وَالشَّامَ مِنْهُم أَرْبَعَةٌ» - (حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد)- وَالمُرَادُ (بِسَبَأٍ) مَمْلَكَةُ سَبَأٍ |
سبب تسميتها | انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ قِصَّةِ مَمْلَكَةِ سَبَأٍ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى | لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسْمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (سَبَأ) |
مقاصدها | إِظْهَارُ النِّعَمِ عَلَى الْعِبَادِ، وَمَوقِفِهِم مِنْهَا بَينَ شَاكِرٍ لَهَا وَكَافِرٍ بِهَا |
أسباب نزولها | سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها | لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها | مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (سَبَأٍ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ مَوْقِفِ الكُفَّار مِنَ السَّاعَةِ، فقَالَ فِي أَوَّلِهَا: ﴿وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَأۡتِينَا ٱلسَّاعَةُۖ ...٣﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَقَدۡ كَفَرُواْ بِهِۦ مِن قَبۡلُۖ وَيَقۡذِفُونَ بِٱلۡغَيۡبِ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ ٥٣﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (سَبَأٍ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الأَحْزَابِ): لَمَّا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى المُؤمِنِينَ بِالقَولِ السَّدِيدِ فِي آخِرِ (الأَحْزَابِ) بِقَولِهِ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدٗا ٧٠﴾، ضَرَبَ مَثَلًا لِلْقَولِ غَيرِ السَّدِيدِ فِي إِنْكَارِ السَّاعَةِ فِي مُفْتَتَحِ (سَبَإٍ) فَقَالَ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ...٣﴾. |