«ووجدك ضالا» عما أنت عليه من الشريعة «فهدى» أي هداك إليها.
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
حتى تبلغ القاصي والداني ، لأنه لما كانت النعم محبوبة لذاتها وكان الغالب حب المنعم
حتى قالت طائفة : إن شكر المنعم واجب عقلا ، جعل اللّه التحدث بالنعم شكرا ، فإذا سمع المحتاج ذكر المنعم مال إليه بالطبع وأحبه ، فلذلك أمر اللّه نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يتحدث بنعم اللّه عليه ، لأن التحدث بنعم اللّه شكر لفظي ، لما فيه من الثناء على اللّه ، لما يكون منه وبما أنعم به عليه من النعم المعلومة في العرف ، من المال والعلم ،
فإظهار النعم عين الشكر وحقه ، وبمثل هذا يكون المزيد ،
كما يكون بالكفران لها زوال النعم ،
والكفران سترها ، فإن الكفر معناه ستر ، وإذا ذكر العبد ما أنعم اللّه به عليه من النّعم المعروفة في العرف من المال والعلم فقد عرض نفسه ليقصد في ذلك ، فيجود به على القاصد ،
فيدخل بذلك في الشكر العملي ، لأن من النعم ما يكون مستورا لا يعرف صاحبها أنه صاحب نعمة فلا يقصد ، فإذا حدث بما أعطاه اللّه وأنعم عليه به قصد في ذلك ،
فلهذا أمر بالحديث بالنعم ، والتحدث بالنعم شكر ، والإعطاء منها شكر ، فيجمع بين الذكر والعمل ، ومن هذا نعلم أن اللّه لا يحب من عباده من يستر نعمه ، كانت النعم ما كانت ، فما تحدث به لم يستر ،
وقال [ التحدث بالنعم شكر ] وإذا أنعم اللّه على عبده نعمة أحب أن ترى عليه ، ونعمه التي أسبغها على عباده ظاهرة وباطنة ، ومن ستر النعمة فقد كفر بها ،
ومن كفر بها أذاقه اللّه لباس الجوع والخوف لستر النعم وجحدها والأشر والبطر بها ، وفي هذه الآية نص لمن قام الدليل على عصمته ، فله أن يثني على نفسه بما أعلمه اللّه أنه عليه من الصفات المحمودة ، فإنها من أعظم النعم الإلهية على عبده . قال يوسف عليه السلام (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [ نصيحة : إذ ولا بد من الحديث فلا تتحدث إلا بنعمة ربك: ]
- نصيحة - إذ ولا بد من الحديث فلا تتحدث إلا بنعمة ربك ، وأعظم النعم ما أعطيت الأنبياء والرسل فبنعمهم تحدث .
(94) سورة الشّرح مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
لقد حاز صلّى اللّه عليه وسلّم المقام الأدنى في الآخرة والأولى فالعالي يقول (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) والأعلى يقال له (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) العالي يقول (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) والأعلى تقرر عليه النعم .
------------
(11) الفتوحات ج 4 /
256 - ج 2 /
202 - ج 3 /
406 - ج 2 /
202 - ج 4 /
104 - ج 3 /
406 ، 455 - ج 4 /
401
وقوله : ( ووجدك ضالا فهدى ) كقوله ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) [ الشورى : 52 ] ومنهم من قال [ إن ] المراد بهذا أنه ، عليه السلام ، ضل في شعاب مكة وهو صغير ، ثم رجع . وقيل : إنه ضل وهو مع عمه في طريق الشام ، وكان راكبا ناقة في الليل ، فجاء إبليس يعدل بها عن الطريق ، فجاء جبريل ، فنفخ إبليس نفخة ذهب منها إلى الحبشة ، ثم عدل بالراحلة إلى الطريق . حكاهما البغوي .
أي غافلا عما يراد بك من أمر النبوة، فهداك : أي أرشدك. والضلال هنا بمعنى الغفلة؛ كقوله جل ثناؤه {لا يضل ربي ولا ينسى}[
طه : 52] أي لا يغفل. وقال في حق نبيه {وإن كنت من قبله لمن الغافلين}[
يوسف : 3]. وقال قوم {ضالا} لم تكن تدري القرآن والشرائع، فهداك اللّه إلى القرآن، وشرائع الإسلام؛ عن الضحاك وشهر بن حوشب وغيرهما. وهو معنى قوله تعالى {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان}، على ما بينا في سورة [الشورى] . وقال قوم {ووجدك ضالا} أي في قوم ضلال، فهداهم اللّه بك. هذا قول الكلبي والفراء. وعن السدي نحوه؛ أي ووجد قومك في ضلال، فهداك إلى إرشادهم. وقيل {ووجدك ضالا} عن الهجرة، فهداك إليها. وقيل {ضالا}أي ناسيا شأن الاستثناء حين سئلت عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح - فأذكرك؛ كما قال تعالى {أن تضل إحداهما}[
البقرة : 282]. وقيل : ووجدك طالبا للقبلة فهداك إليها؛ بيانه {قد نرى تقلب وجهك في السماء...}[
البقرة : 144] الآية. ويكون الضلال بمعنى الطلب؛ لأن الضال طالب. وقيل : ووجدك متحيرا عن بيان ما نزل عليك، فهداك إليه؛ فيكون الضلال بمعنى التحير؛ لأن الضال متحير. وقيل : ووجدك ضائعا في قومك؛ فهداك إليه؛ ويكون الضلال بمعنى الضياع. وقيل : ووجدك محبا للهداية، فهداك إليها؛ ويكون الضلال بمعنى المحبة. ومنه قوله تعالى {قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم}[
يوسف : 95] أي في محبتك. قال الشاعر : هذا الضلال أشاب مني المفرقا ** العارضين ولم أكن متحققا عجبا لعزة في اختيار قطيعتي ** بعد الضلال فحبلها قد أخلقا وقيل {ضالا} في شعاب مكة، فهداك وردك إلى جدك عبدالمطلب. قال ابن عباس : ضل النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو صغير في شعاب مكة، فرآه أبو جهل منصرفا عن أغنامه، فرده إلى جده عبدالمطلب؛ فمن اللّه عليه بذلك، حين رده إلى جده على يدي عدوه. وقال سعيد بن جبير : خرج النبي صلى اللّه عليه وسلم مع عمه أبي طالب في سفر، فأخذ إبليس بزمام الناقة في ليلة ظلماء، فعدل بها عن الطريق، فجاء جبريل عليه السلام، فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى أرض الهند، ورده إلى القافلة؛ فمن اللّه عليه بذلك. وقال كعب : إن حليمة لما قضت حق الرضاع، جاءت برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لترده على عبدالمطلب، فسمعت عند باب مكة : هنيئا لك يا بطحاء مكة، اليوم يرد إليك النور والدين والبهاء والجمال. قالت : فوضعته لأصلح ثيابي، فسمعت هدة شديدة، فالتفت فلم أره، فقلت : معشر الناس، أين الصبي؟ فقال : لم نر شيئا؛ فصحت : وامحمداه فإذا شيخ فان يتوكأ على عصاه، فقال : اذهبي إلى الصنم الأعظم، فإن شاء أن يرده عليك فعل. ثم طاف الشيخ بالصنم، وقبل رأسه وقال : يا رب، لم تزل منتك على قريش، وهذه السعدية تزعم أن ابنها قد ضل، فرده إن شئت. فانكب هبل على وجهه، وتساقطت الأصنام، وقالت : إليك عنا أيها الشيخ، فهلاكنا على يدي محمد. فألقى الشيخ عصاه، وارتعد وقال : إن لابنك ربا لا يضيعه، فاطلبيه على مهل. فانحشرت قريش إلى عبدالمطلب، وطلبوه في جميع مكة، فلم يجدوه. فطاف عبدالمطلب بالكعبة سبعا، وتضرع إلى اللّه أن يرده، وقال : يا رب رد ولدي محمدا ** اردده ربي واتخذ عندي يدا يا رب إن محمد لم يوجدا ** فشمل قومي كلهم تبددا فسمعوا مناديا ينادي من السماء : معاشر الناس لا تضجوا، فإن لمحمد ربا لا يخذله ولا يضيعه، وإن محمدا بوادي تهامة، عند شجرة السمر. فسار عبدالمطلب هو وورقة بن نوفل، فإذا النبي صلى اللّه عليه وسلم قائم تحت شجرة، يلعب بالأغصان وبالورق. وقيل {ووجدك ضالا} ليلة المعراج، حين انصرف عنك جبريل وأنت لا تعرف الطريق، فهداك إلى ساق العرش. وقال أبو بكر الوراق وغيره {ووجدك ضالا} : تحب أبا طالب، فهداك إلى محبة ربك. وقال بسام بن عبدالله {ووجدك ضالا} بنفسك لا تدري من أنت، فعرفك بنفسك وحالك. وقال الجنيدي : ووجدك متحيرا في بيان الكتاب، فعلمك البيان؛ بيانه {لتبين للناس ما نزل إليهم}[
النحل : 44] الآية. {لتبين لهم الذي اختلفوا فيه}[
النحل : 64]. وقال بعض المتكلمين : إذا وجدت العرب شجرة منفردة في فلاة من الأرض، لا شجر معها، سموها ضالة، فيهتدي بها إلى الطريق؛ فقال اللّه تعالى لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم {ووجدك ضالا} أي لا أحد على دينك، وأنت وحيد ليس معك أحد؛ فهديت بك الخلق إلي. قلت : هذه الأقوال كلها حسان، ثم منها ما هو معنوي، ومنها ما هو حسي. والقول الأخير أعجب إلي؛ لأنه يجمع الأقوال المعنوية. وقال قوم : إنه كان على جملة ما كان القوم عليه، لا يظهر لهم خلافا على ظاهر الحال؛ فأما الشرك فلا يظن به؛ بل كان على مراسم القوم في الظاهر أربعين سنة. وقال الكلبي والسدي : هذا على ظاهره؛ أي وجدك كافرا والقوم كفار فهداك. وقد مضى هذا القول والرد عليه في سورة [الشورى] . وقيل : وجدك مغمورا بأهل الشرك، فميزك عنهم. يقال : ضل الماء في اللبن؛ ومنه {أئذا ضللنا في الأرض}[
السجدة : 10] أي لحقنا بالتراب عند الدفن، حتى كأنا لا نتميز من جملته. وفي قراءة الحسن {ووجدك ضالٌ فهدى} أي وجدك الضال فاهتدى بك؛ وهذه قراءة على التفسير. وقيل {ووجدك ضالا} لا يهتدي إليك قومك، ولا يعرفون قدرك؛ فهدى المسلمين إليك، حتى آمنوا بك.
ألم يَجِدْك من قبلُ يتيمًا، فآواك ورعاك؟ ووجدك لا تدري ما الكتاب ولا الإيمان، فعلَّمك ما لم تكن تعلم، ووفقك لأحسن الأعمال؟ ووجدك فقيرًا، فساق لك رزقك، وأغنى نفسك بالقناعة والصبر؟
{ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى } أي: وجدك لا تدري ما الكتاب ولا الإيمان، فعلمك ما لم تكن تعلم، ووفقك لأحسن الأعمال والأخلاق.
( ووجدك ضالا ) يعني ضالا عما أنت عليه ( فهدى ) أي : فهداك للتوحيد والنبوة .
قال الحسن والضحاك وابن كيسان : " ووجدك ضالا " عن معالم النبوة وأحكام الشريعة غافلا عنها ، فهداك إليها ، [ كما قال ] " وإن كنت من قبله لمن الغافلين " ( يوسف - 3 ) وقال : " ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان " ( الشورى - 52 ) .
وقيل : ضالا في شعاب مكة فهداك إلى جدك عبد المطلب وروى أبو الضحى عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ضل في شعاب مكة وهو صبي صغير ، فرآه أبو جهل منصرفا عن أغنامه فرده إلى عبد المطلب .
وقال سعيد بن المسيب : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عمه أبي طالب في قافلة ميسرة غلام خديجة فبينما هو راكب ذات ليلة ظلماء ناقة إذ جاء إبليس فأخذ بزمام الناقة فعدل به عن الطريق ، فجاء جبريل فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى أرض الحبشة ، ورده إلى القافلة فمن الله عليه بذلك . وقيل : وجدك ضالا [ ضال ] نفسك لا تدري من أنت ، فعرفك نفسك وحالك .
(وَوَجَدَكَ) ماض ومفعوله الأول والفاعل مستتر (ضَالًّا) مفعول به ثان والجملة معطوفة على ما قبلها (فَهَدى) معطوفة على ما قبلها.
Traslation and Transliteration:
Wawajadaka dallan fahada
Did He not find thee wandering and direct (thee)?
Ve seni, yol yitirmiş bulup da yol göstermedi mi sana?
Ne t'a-t-Il pas trouvé égaré? Alors Il t'a guidé.
Und ER fand dich irrend, so leitete ER dich recht.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الضحى (Adh-Dhuha - The Morning Hours) |
ترتيبها |
93 |
عدد آياتها |
11 |
عدد كلماتها |
40 |
عدد حروفها |
164 |
معنى اسمها |
الضُّحَى: وَقْتُ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ وَامْتِدَادِهِ، وَالمُرَادُ (بِالضُّحَى): الْقَسَمُ بِوَقْتِهِ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِالقَسَمِ (بِالضُّحَى)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الضّحُىَ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ: ﴿وَٱلضُّحَىٰ﴾ |
مقاصدها |
بَيَانُ رِعَايَةِ اللهِ الْخَاصَّةِ بِنَبِيِّهِ ﷺ، وَتَذْكِيرُهُ بِنِعَمِ اللهِ عَلَيهِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، عن جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ رضي الله عنه قَالَ: «اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَٱلضُّحَىٰ ١ وَٱلَّيۡلِ إِذَا سَجَىٰ ٢﴾». (رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسْلِم) |
فضلها |
أَوْصَى بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي إِمَامَةِ المُصَلِّينَ، فَقَدْ أَمَرَ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ رضي الله عنه إِذَا أَمَّ النَّاسَ أَنْ يُخَفِّفَ وَيَقْرَأَ بِسُوَرِ: (الْأَعْلَى، وَالضُّحَى، وَالانْفِطَارِ). (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ النَّسَائِي) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ سُوْرَةِ (الضُّحَى) لِمَا قَبْلَهَا مِنْ سُوْرَةِ (اللَّيْلِ):لَمَّا قَالَ فِي (الْلَّيلِ): ﴿وَإِنَّ لَنَا لَلۡأٓخِرَةَ وَٱلۡأُولَىٰ ١٣﴾ وَجَّهَ نَبِيَّهُ ﷺ فِي (الضُّحَى)، فَقَالَ: ﴿وَلَلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لَّكَ مِنَ ٱلۡأُولَىٰ ٤﴾ |