«و» يؤتكم «أُخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين» بالنصر والفتح.
يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (14)
[من نصر دين اللّه فقد نصر اللّه وأدى واجب : ]
أعلم أن من نصر دين اللّه فقد نصر اللّه وأدى واجبا في نصرته ، فله أجر النصر وأجر أداء الواجب ، بما نواه من امتثال أمر اللّه في ذلك وتعين عليه ذلك ، ولو كفاه غيره مئونة ذلك فلا يتأخر عن أمر اللّه ، ونصرة اللّه قد تكون بما يعطي من العلم المظهر للحق الدافع للباطل ، فهو جهاد معنوي محسوس ، فكونه معنويا لأن الباطن يقبله ، فإن العلم متعلقه النفس ، وأما كونه محسوسا فما يتعلق بذلك من العبارة عنه باللسان أو الكتابة ، فيحصل للسامع ، أو الناظر بطريق السمع من المتكلم ، أو بطريق النظر من الكتابة .
وجهاد العدو نصرة محسوسة ، ما هي معنوية ، فإنه ما نال العدو من المقاتل له شيئا في الباطن يرده عن اعتقاده ، كما ناله من العلم إذا علّمه وأصغى إليه ، ووفقه اللّه للقبول وفتح عين فهمه لما يورده عليه العالم في تعليمه ، وهي أعظم نصرة ، وهو أعظم أنصاري للّه ، يقول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم
[ لأن يهدي اللّه بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس ]
وقوله تعالى «فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا» بالغلبة والقهر ، وهو التأييد الإلهي الذي يقع به ظهورهم على الأعداء ، فأيدهم «عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ» على المنازع .
(62) سورة الجمعة مدنيّة
------------
(14) الفتوحات ج 4 /
467 - ج 2 /
36 ، 248
ثم قال : ( وأخرى تحبونها ) أي : وأزيدكم على ذلك زيادة تحبونها ، وهي : ( نصر من الله وفتح قريب ) أي : إذا قاتلتم في سبيله ونصرتم دينه ، تكفل الله بنصركم . قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) [ محمد : 7 ] وقال تعالى : ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) [ الحج : 40 ] وقوله ( وفتح قريب ) أي : عاجل فهذه الزيادة هي خير الدنيا موصول بنعيم الآخرة ، لمن أطاع الله ورسوله ، ونصر الله ودينه ; ولهذا قال : ( وبشر المؤمنين )
فيه خمس مسائل: الأولى: قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة} قال مقاتل : نزلت في عثمان بن مظعون؛ وذلك أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أذنت لي فطلقت خولة، وترهبت واختصيت وحرمت اللحم، ولا أنام بليل أبدا، ولا أفطر بنهار أبدا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن من سنتي النكاح ولا رهبانية في الإسلام إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله وخصاء أمتي الصوم ولا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم. ومن سنتي أنام وأقوم وأفطر وأصوم فمن رغب عن سنتي فليس منى). فقال عثمان : والله لوددت يا نبي الله أي التجارات أحب إلى الله فأتجر فيها؛ فنزلت. وقيل{أدلكم} أي سأدلكم. والتجارة الجهاد؛ قال الله تعالى {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} [
التوبة : 111] الآية. وهذا خطاب لجميع المؤمنين. وقيل : لأهل الكتاب. الثانية: قوله تعالى {تنجيكم} أي تخلصكم {من عذاب أليم} أي مؤلم. وقراءة العامة {تنجيكم} بإسكان النون من الإنجاء. وقرأ الحسن وابن عامر وأبو حيوة {تنجِّيكم} مشددا من التنجية. ثم بين التجارة، وهي المسألة: الثالثة: فقال {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم} ذكر الأموال أولا لأنها التي يبدأ بها في الإنفاق. {ذلكم} أي هذا الفعل {خير لكم إن كنتم تعلمون} خير لكم من أموالكم وأنفسكم {إن كنتم تعلمون}. و {تؤمنون} عند المبرد والزجاج في معنى آمنوا، ولذلك جاء {يغفر لكم} مجزوما على أنه جواب الأمر. وفي قراءة عبدالله {آمنوا بالله} وقال الفراء {يغفر لكم} جواب الاستفهام؛ وهذا إنما يصح على الحمل على المعنى؛ وذلك أن يكون {تؤمنون بالله، وتجاهدون} عطف بيان على قوله {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} كأن التجارة لم يدر ما هي؛ فبينت بالإيمان والجهاد؛ فهي هما في المعنى. فكأنه قال : هل تؤمنون بالله وتجاهدون يغفر لكم. الزمخشري : وجه قول الفراء أن متعلق الدلالة هو التجارة والتجارة مفسرة بالإيمان والجهاد. كأنه قيل : هل تتجرون بالإيمان والجهاد يغفر لكم. قال المهدوي : فإن لم تقدر هذا التقدير لم تصح المسألة؛ لأن التقدير يصير إن دللتم يغفر لكم؛ والغفران إنما نعت بالقبول والإيمان لا بالدلالة. قال الزجاج : ليس إذا دلهم على ما ينفعهم يغفر لهم؛ إنما يغفر لهم إذا آمنوا وجاهدوا. وقرأ زيد بن علي {تؤمنوا}، و{تجاهدوا} على إضمار لام الأمر؛ كقوله : محمد تَفْدِ نفسَك كلُّ نفس ** إذا ما خفت من شيء تبالا أراد لتفد. وأدغم بعضهم فقال {يغفر لكم} والأحسن ترك الإدغام؛ لأن الراء حرف متكرر قوي فلا يحسن إدغامه في اللام؛ لأن الأقوى لا يدغم في الأضعف. الرابعة: قوله تعالى {ومساكن طيبة} خرج أبو الحسين الآجري عن الحسن قال : سألت عمران بن الحصين وأبا هريرة عن تفسير هذه الآية {ومساكن طيبة} فقالا : على الخبير سقطت، سألنا رسول الله صلى الله عيله وسلم عنها فقال : (قصر من لؤلؤة في الجنة فيه سبعون دارا من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتا من زبرجدة خضراء في كل بيت سبعون سريرا على كل سرير سبعون فراشا من كل لون على كل فراش سبعون امرأة من الحور العين في كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لونا من الطعام في كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة فيعطي الله تبارك وتعالى المؤمن من القوة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك كله). {في جنات عدن} أي إقامة. {ذلك الفوز العظيم} أي السعادة الدائمة الكبيرة. وأصل الفوز الظفر بالمطلوب. الخامسة: قوله تعالى {وأخرى تحبونها} قال الفراء والأخفش {أخرى} معطوفة على {تجارة} فهي في محل خفض. وقيل : محلها رفع أي ولكم خصلة أخرى وتجارة أخرى تحبونها {نصر من الله} أي هو نصر من الله؛ فـ {نصر} على هذا تفسير {وأخرى}. وقيل : رفع على البدل من {أخرى} أي ولكم نصر من الله. {وفتح قريب} أي غنيمة في عاجل الدنيا؛ وقيل فتح مكة. وقال ابن عباس : يريد فتح فارس والروم. {وبشر المؤمنين} برضا الله عنهم.
إن فعلتم -أيها المؤمنون- ما أمركم الله به يستر عليكم ذنوبكم، ويدخلكم جنات تجري من تحت أشجارها الأنهار، ومساكن طاهرة زكية في جنات إقامة دائمة لا تنقطع، ذلك هو الفوز الذي لا فوز بعده. ونعمة أخرى لكم- أيها المؤمنون- تحبونها هي نصر من الله يأتيكم، وفتح عاجل يتم على أيديكم. وبشِّر المؤمنين -أيها النبي- بالنصر والفتح في الدنيا، والجنة في الآخرة.
وأما الثواب الدنيوي لهذه التجارة، فذكره بقوله: { وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا } أي: ويحصل لكم خصلة أخرى تحبونها وهي: { نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ } [لكم] على الأعداء، يحصل به العز والفرح، { وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } تتسع به دائرة الإسلام، ويحصل به الرزق الواسع، فهذا جزاء المؤمنين المجاهدين، وأما المؤمنون من غير أهل الجهاد، [إذا قام غيرهم بالجهاد] فلم يؤيسهم الله تعالى من فضله وإحسانه، بل قال: { وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } أي: بالثواب العاجل والآجل، كل على حسب إيمانه، وإن كانوا لا يبلغون مبلغ المجاهدين في سبيل الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، أعدها الله للمجاهدين في سبيله "
( وأخرى تحبونها ) . أي : ولكم خصلة أخرى في العاجل مع ثواب الآخرة تحبونها وتلك الخصلة : ( نصر من الله وفتح قريب ) . قال الكلبي : هو النصر على قريش وفتح مكة . وقال عطاء : يريد فتح فارس والروم . ( وبشر المؤمنين ) . يا محمد بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة .
(وَأُخْرى) مبتدأ مؤخر والخبر مقدم محذوف (تُحِبُّونَها) مضارع وفاعله ومفعوله والجملة صفة أخرى (نَصْرٌ) خبر لمبتدأ محذوف والجملة مفسرة لا محل لها (مِنَ اللَّهِ) متعلقان بنصر (وَفَتْحٌ) معطوف على نصر (قَرِيبٌ) صفة فتح (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) الواو حرف عطف وأمر فاعله مستتر والجملة معطوفة على ما قبلها (الْمُؤْمِنِينَ) مفعول به.
Traslation and Transliteration:
Waokhra tuhibboonaha nasrun mina Allahi wafathun qarreebun wabashshiri almumineena
And (He will give you) another (blessing) which ye love: help from Allah and present victory. Give good tidings (O Muhammad) to believers.
Ve başka bir şey daha var ki seversiniz: Yardım ve zafer Allah'tan ve pek yakın bir fetih; ve müjdele inananları.
et Il vous accordera d'autres choses encore que vous aimez bien: un secours [venant] d'Allah et une victoire prochaine. Et annonce la bonne nouvelle aux croyants.
Und noch etwas anderes, welches ihr liebt - Beistand von ALLAH und ein naher Sieg. Und überbringe den Mumin frohe Botschaft!
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الصف (As-Saff - The Ranks) |
ترتيبها |
61 |
عدد آياتها |
14 |
عدد كلماتها |
226 |
عدد حروفها |
936 |
معنى اسمها |
الصَّفُّ: وَاحِدُ الصُّفُوفِ.
وَالمُرَادُ (بالصَّفِّ): اصطِفَافُ جَيشِ المُسْلِمِينَ وَقْتَ الْقِتَالِ كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ |
سبب تسميتها |
دَلَالَةُ هَذَا الاْسْمِ عَلَى المَقْصِدِ العَامِّ للسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الصَّفِّ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (الحَوَارِيِّينَ) |
مقاصدها |
الدَّعْوَةُ إِلَى تَوحِيدِ كَلِمَةِ المُسْلِمِينَ وَجَمْعِ صُفُوفِهِمْ فِي القِتَالِ وَفِي شُؤُونِ الأُمَّةِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، فَعَن عَبْدِ اللهِ بن سَلامٍ رضي الله عنه قَالَ: اقْعَدْنَا نَفَرٌ مِن أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَتَذَاكَرْنَا فَقُلْنَا: لَو نَعْلَمُ أَيَّ الأَعْمَالِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ لَعَمِلْنَاهُ فَأَنْزَلَ اللهُ الآياتِ (1 - 4) فَقَرَأَهَا عَلَينَا رَسُولُ اللهَ ﷺ. (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ التِّرمِذيُّ) |
فضلها |
(الصَّفُّ) مِنَ المُسَبِّحَاتِ، أَتى رجُلٌ رَسُوْلَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُوْلَ اللهِ، فَقَالَ: «اقْرَأْ ثَلاثًا مِنَ المُسَبِّحَاتِ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الصَّفِّ) بِآخِرِهَا: تَوْجِيهُ المُؤْمِنِينَ وَذِكْرُ نَصْرِهِم، فَقالَ فِي أَوَّلِهَا: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ ٢﴾، وقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ ١٤﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الصَّفِّ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (المُمْتَحَنَةِ): تَحَدَّثَتِ (المُمْتَحَنَةُ) عَنِ امْتِحَانِ القُلُوبِ، وَتَبِعَتْهَا (الصَّفُّ) بِالدَّعْوَةِ إِلَى تَوحِيدِ القُلُوبِ بَينَ صُفُوفِ المُسْلِمِينَ. |