«ولْيخش» أي ليخف على اليتامى «الذين لو تركوا» أي قاربوا أن يتركوا «من خلفهم» أي بعد موتهم «ذرية ضعافا» أولاد صغارا «خافوا عليهم» الضياع «فليتقوا الله» في أمر اليتامى وليأتوا إليهم ما يحبون أن يفعل بذريتهم من بعدهم «ولْيقولوا» للميت «قولا سديدا» صوابا بأن يأمروه أن يتصدق بدون ثلثه ويدع الباقي لورثته ولا يتركهم عالة.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174)
البرهان قوي السلطان ، ولما أزال الحق بالقرآن شبه الضلالات وظلمة الشكوك وأوضح به المشكلات سماه نورا ، وكل ما جاء في معرض الدلالة فهو من كونه نورا ، لأن النور هو المنفر الظلم ، والقرآن ضياء لأن الضياء يكشف ، فكل ما أظهره القرآن فهو من أثر ضيائه ، فبالقرآن يكشف جميع ما في الكتب المنزلة من العلوم ، وفيه ما ليس فيها . فمن أوتي القرآن فقد أوتي الضياء الكامل الذي يتضمن كل علم ؛ فعلوم الأنبياء والملائكة وكل لسان علم فإن القرآن يتضمنه ويوضحه لأهل القرآن بما هو ضياء ، فهو نور من حيث ذاته لأنه لا يدرك لعزته ، وهو ضياء لما يدرك به ولما يدرك منه . فمن أعطي القرآن فقد أعطي العلم الكامل .
------------
(174) الفتوحات ج 4 /
352 - إيجاز البيان - الفتوحات ج 3 /
94 - ج 2 /
107
وقوله : ( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم [ ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله ] ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هذا في الرجل يحضره الموت ، فيسمعه الرجل يوصي بوصية تضر بورثته ، فأمر الله تعالى الذي يسمعه أن يتقي الله ، ويوفقه ويسدده للصواب ، ولينظر لورثته كما كان يحب أن يصنع بورثته إذا خشي عليهم الضيعة .
وهكذا قال مجاهد وغير واحد ، وثبت في الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على سعد بن أبي وقاص يعوده قال : يا رسول الله ، إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة ، أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال : " لا " . قال : فالشطر ؟ قال : " لا " . قال : فالثلث ؟ قال : " الثلث ، والثلث كثير " . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس " .
وفي الصحيح أن ابن عباس قال : لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الثلث ، والثلث كثير " .
قال الفقهاء : إن كان ورثة الميت أغنياء استحب للميت أن يستوفي الثلث في وصيته وإن كانوا فقراء استحب أن ينقص الثلث .
وقيل : المراد بقوله : ( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله ) [ أي ] في مباشرة أموال اليتامى ( ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا )
حكاه ابن جرير من طريق العوفي ، عن ابن عباس : وهو قول حسن ، يتأيد بما بعده من التهديد في أكل مال اليتامى ظلما ، أي : كما تحب أن تعامل ذريتك من بعدك ، فعامل الناس في ذرياتهم إذا وليتهم .
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى {وليخش} حذفت الألف من "ليخش" للجزم بالأمر، ولا يجوز عند سيبويه إضمار لام الأمر قياسا على حروف الجر إلا في ضرورة الشعر. وأجاز الكوفيون حذف اللام مع الجزم؛ وأنشد الجميع : محمد تفد نفسك كل نفس ** إذا ما خفت من شيء تبالا أراد لتفد، ومفعول "يخش" محذوف لدلالة الكلام عليه. و{خافوا} جواب {لو}. التقدير لو تركوا لخافوا. ويجوز حذف اللام في جواب {لو}. وهذه الآية قد اختلف العلماء في تأويلها؛ فقالت طائفة : (هذا وعظ للأوصياء، أي افعلوا باليتامى ما تحبون أن يفعل بأولادكم من بعدكم)؛ قاله ابن عباس. ولهذا قال الله تعالى {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} [
النساء : 10]. وقالت طائفة : المراد جميع الناس، أمرهم باتقاء الله في الأيتام وأولاد الناس؛ وإن لم يكونوا في حجورهم. وأن يشددوا لهم القول كما يريد كل واحد منهم أن يفعل بولده بعده. ومن هذا ما حكاه الشيباني قال : كنا على قسطنطينية في عسكر مسلمة بن عبدالملك، فجلسنا يوما في جماعة من أهل العلم فيهم ابن الديلمي، فتذاكروا ما يكون من أهوال آخر الزمان. فقلت له : يا أبا بشر، ودي ألا يكون لي ولد. فقال لي : ما عليك ! ما من نسمة قضى الله بخروجها من رجل إلا خرجت، أحب أو كره، ولكن إذا أردت أن تأمن عليهم فاتق الله في غيرهم؛ ثم تلا الآية. وفي رواية : ألا أدلك على أمر إن أنت أدركته نجاك الله منه، وإن تركت ولدا من بعدك حفظهم الله فيك؟ فقلت : بلى ! فتلا هذه الآية {وليخش الذين لو تركوا} إلى آخرها. قلت : ومن هذا المعنى ما روى محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من أحسن الصدقة جاز على الصراط ومن قضى حاجة أرملة أخلف الله في تركته). وقول ثالث قاله جمع من المفسرين : هذا في الرجل يحضره الموت فيقول له من بحضرته عند وصيته : إن الله سيرزق ولدك فانظر لنفسك، وأوص بمالك في سبيل الله، وتصدق وأعتق. حتى يأتي على عامة ماله أو يستغرقه فيضر ذلك بورثته؛ فنهوا عن ذلك. فكأن الآية تقول لهم : (كما تخشون على ورثتكم وذريتكم بعدكم، فكذلك فاخشوا على ورثة غيركم ولا تحملوه على تبذير ماله)؛ قاله ابن عباس وقتادة والسدي وابن جبير والضحاك ومجاهد. روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : (إذا حضر الرجل الوصية فلا ينبغي أن يقول أوص بمالك فإن الله تعالى رازق ولدك، ولكن يقول قدم لنفسك واترك لولدك)؛ فذلك قوله تعالى {فليتقوا الله}. وقال مقسم وحضرمي : نزلت في عكس هذا، وهو أن يقول للمحتضر من يحضره : أمسك على ورثتك، وأبق لولدك فليس أحد أحق بمالك من أولادك، وينهاه عن الوصية، فيتضرر بذلك ذوو القربى وكل من يستحق أن يوصى له؛ فقيل لهم : كما تخشون على ذريتكم وتسرون بأن يحسن إليهم، فكذلك سددوا القول في جهة المساكين واليتامى، واتقوا الله في ضررهم. وهذان القولان مبنيان على وقت وجوب الوصية قبل نزول آية المواريث؛ روي عن سعيد بن جبير وابن المسيب. قال ابن عطية : وهذان القولان لا يطرد واحد منهما في كل الناس، بل الناس صنفان؛ يصلح لأحدهما القول الواحد، ولآخر القول الثاني. وذلك أن الرجل إذا ترك ورثته مستقلين بأنفسهم أغنياء حسن أن يندب إلى الوصية، ويحمل على أن يقدم لنفسه. وإذا ترك ورثة ضعفاء مهملين مقلين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط؛ فإن أجره في قصد ذلك كأجره في المساكين، فالمراعاة إنما هو الضعف فيجب أن يمال معه. قلت : وهذا التفصيل صحيح؛ لقوله عليه السلام لسعد : (إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس). فإن لم يكن للإنسان ولد، أو كان وهو غني مستقل بنفسه وماله عن أبيه فقد أمن عليه؛ فالأولى بالإنسان حينئذ تقديم ماله بين يديه حتى لا ينفقه من بعده فيما لا يصلح، فيكون وزره عليه. الثانية: قوله تعالى {وليقولوا قولا سديدا} السديد : العدل والصواب من القول؛ أي مروا المريض بأن يخرج من ماله ما عليه من الحقوق الواجبة، ثم يوصي لقرابته بقدر ما لا يضر بورثته الصغار. وقيل : المعنى قولوا للميت قولا عدلا، وهو أن يلقنه بلا إله إلا الله، ولا يأمره بذلك، ولكن يقول ذلك في نفسه حتى يسمع منه ويتلقن. هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) ولم يقل مروهم؛ لأنه لو أمر بذلك لعله يغضب ويجحد. وقيل : المراد اليتيم؛ أن لا ينهروه ولا يستخفوا به.
ولْيَخَفِ الذين لو ماتوا وتركوا من خلفهم أبناء صغارًا ضعافًا خافوا عليهم الظلم والضياع، فليراقبوا الله فيمن تحت أيديهم من اليتامى وغيرهم، وذلك بحفظ أموالهم، وحسن تربيتهم، ودَفْع الأذى عنهم، وليقولوا لهم قولا موافقا للعدل والمعروف.
قيل: إن هذا خطاب لمن يحضر مَنْ حضره الموت وأجنف في وصيته، أن يأمره بالعدل في وصيته والمساواة فيها، بدليل قوله: { وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } أي: سدادا، موافقا للقسط والمعروف. وأنهم يأمرون من يريد الوصية على أولاده بما يحبون معاملة أولادهم بعدهم. وقيل: إن المراد بذلك أولياء السفهاء من المجانين والصغار والضعاف أن يعاملوهم في مصالحهم الدينية والدنيوية بما يحبون أن يعامل به مَنْ بعدهم من ذريتهم الضعاف { فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ } في ولايتهم لغيرهم، أي: يعاملونهم بما فيه تقوى الله، من عدم إهانتهم والقيام عليهم، وإلزامهم لتقوى الله.
قوله تعالى : ( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا ) أولادا صغارا ، خافوا عليهم ، الفقر ، هذا في الرجل يحضره الموت ، فيقول من بحضرته : انظر لنفسك فإن أولادك وورثتك لا يغنون عنك شيئا ، قدم لنفسك ، أعتق وتصدق وأعط فلانا كذا وفلانا كذا ، حتى يأتي على عامة ماله ، فنهاهم الله تعالى عن ذلك ، وأمرهم أن يأمروه أن ينظر لولده ولا يزيد في وصيته على الثلث ، ولا يجحف بورثته كما لو كان هذا القائل هو الموصي يسره أن يحثه من بحضرته على حفظ ماله لولده ، ولا يدعهم عالة مع ضعفهم وعجزهم .
وقال الكلبي : هذا الخطاب لولاة اليتامى يقول : من كان في حجره يتيم فليحسن إليه وليأت إليه في حقه ما يجب أن يفعل بذريته من بعده .
قوله تعالى : ( فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ) أي : عدلا والسديد : العدل ، والصواب من القول ، وهو أن يأمره بأن يتصدق بما دون الثلث ويخلف الباقي لولده .
(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ) فعل أمر مجزوم بلام الأمر وعلامة جزمه حذف حرف العلة والاسم الموصول فاعل (لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً) فعل ماض وفاعل ومفعول به والجار والمجرور متعلقان بالفعل ولو حرف شرط غير جازم (ضِعافاً) صفة (خافُوا عَلَيْهِمْ) فعل ماض تعلق به الجار والمجرور والواو فاعله والجملة جواب شرط غير جازم لا محل لها (فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ) فعل مضارع مجزوم بلام الأمر والواو فاعل واللّه لفظ الجلالة مفعول به والجملة معطوفة (وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً) فعل مضارع مجزوم بلام الأمر وفاعله ومفعول مطلق وصفة له والجملة معطوفة على ما قبلها.
Traslation and Transliteration:
Walyakhsha allatheena law tarakoo min khalfihim thurriyyatan diAAafan khafoo AAalayhim falyattaqoo Allaha walyaqooloo qawlan sadeedan
And let those fear (in their behaviour toward orphans) who if they left behind them weak offspring would be afraid for them. So let them mind their duty to Allah, and speak justly.
Artlarında aciz ve küçük soysop bırakacağını düşünerek onlar için nasıl korkup üzüntüye düşerler; yetimler için de Allah'tan korksunlar da sözün doğrusunu söylesinler.
Que la crainte saisisse ceux qui laisseraient après eux une descendance faible, et qui seraient inquiets à leur sujet; qu'ils redoutent donc Allah et qu'ils prononcent des paroles justes.
Und Ehrfurcht sollen diejenigen haben, die, wenn sie nach ihrem Verscheiden minderjährige Kinder hinterlassen würden, um diese besorgt wären. So sollen sie Taqwa gemäß ALLAH gegenüber handeln und ein angebrachtes Wort sprechen.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة النساء (An-Nisaa - The Women) |
ترتيبها |
4 |
عدد آياتها |
176 |
عدد كلماتها |
3712 |
عدد حروفها |
15937 |
معنى اسمها |
(النُّـِسْوَةُ) بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ وَ(النِّسَاءُ) وَ(النِّسْوَانُ) جَمْعُ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ لفْظِهَا |
سبب تسميتها |
كَثْرَةُ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِالنِّسَاءِ وَمَسَائِلِ الْأُسْرَّةِ وَالْمُجْتَمَعِ |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (النِّسَاءِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (النِّسَاءِ الكُبْرَى) أَوْ (النِّسَاءِ الطُوْلَى) |
مقاصدها |
تَنْظِيمُ الشُّؤُونِ الدَّاخِلِيَّةِ وَالعَلَاقَاتِ الْخَارِجِيَّةِ لِلْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النِّسَاءِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ أَحْكَامِ المَوَارِيثِ.
فقَالَ سُبْحَانَهُ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ﴾... الآيَاتِ، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿يَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِي ٱلۡكَلَٰلَةِۚ ...١٧٥﴾... الآيَاتِ.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النِّسَاءِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (آلِ عِمرَانَ):
اختُتِمَتْ (آلُ عِمْرَانَ) بِالأَمْرِ بِتَقْوَى اللهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ٢٠٠﴾ ، وَافْتُتِحَتِ (النِّسَاءُ) بِالأَمرِ بِتَقْوَى اللهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ...١﴾. |