«أتواصوْا» كلهم «به» استفهام بمعنى النفي «بل هم قوم طاغون» جمعهم على هذا القول طغيانهم.
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)
فالحاصل من هذا أنه من لم يغب عن عبوديته للّه في كل حال ، فقد أدى ما خلق له وكان طائعا وسواء كان مطيعا أو مخالفا ، فإن العبد الآبق لا يخرجه إباقه عن الرق ، وإنما يخرجه عن لوازم العبودية ، من الوقوف بين يدي سيده لامتثال أوامره ومراسمه ، ألا ترى اسم العبودية ينسحب عليه سواء كان مطيعا أو مخالفا .
(52) سورة الطّور مكيّة
------------
(60) الفتوحات ج 3 /
124
قال الله تعالى : ( أتواصوا به ) أي : أوصى بعضهم بعضا بهذه المقالة ؟ " ( بل هم قوم طاغون ) أي : لكن هم قوم طغاة ، تشابهت قلوبهم ، فقال متأخرهم كما قال متقدمهم .
قوله تعالى {ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين} لما تقدم ما جرى من تكذيب أممهم لأنبيائهم وإهلاكهم؛ لذلك قال الله تعالى : لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لهم يا محمد؛ أي قل لقومك {ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين} أي فروا من معاصيه إلى طاعته. وقال ابن عباس : فروا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم. وعنه فروا منه إليه واعملوا بطاعته. وقال محمد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان {ففروا إلى الله} اخرجوا إلى مكة. وقال الحسين بن الفضل : احترزوا من كل شيء دون الله فمن فر إلى غيره لم يمتنع منه. وقال أبو بكر الوراق : فروا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن. وقال الجنيد : الشيطان داع إلى الباطل ففروا إلى الله يمنعكم منه. وقال ذو النون المصري : ففروا من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الشكر. وقال عمرو بن عثمان : فروا من أنفسكم إلى ربكم. وقال أيضا : فروا إلى ما سبق لكم من الله ولا تعتمدوا على حركاتكم. وقال سهل بن عبدالله : فروا مما سوى الله إلى الله. {إني لكم منه نذير مبين} أي أنذركم عقابه على الكفر والمعصية. قوله تعالى {ولا تجعلوا مع الله إلها آخر} أمر محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا للناس وهو النذير. وقيل : هو خطاب من الله للخلق. {إني لكم منه} أي من محمد وسيوفه {نذير مبين} أي أنذركم بأسه وسيفه إن أشركتم بي؛ قاله ابن عباس. قوله تعالى {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول} هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم؛ أي كما كذبك قومك وقالوا ساحر أو مجنون، كذب من قبلهم وقالوا مثل قولهم. والكاف من {كذلك} يجوز أن تكون نصبا على تقدير أنذركم إنذارا كإنذار من الرسل الذين أنذروا قومهم، أو رفعا على تقدير الأمر كذلك أي كالأول. والأول تخويف لمن عصاه من الموحدين، والثاني لمن أشرك به من الملحدين. والتمام على قوله {كذلك} عن يعقوب وغيره. {أتواصوا به} أي أوصى أولهم آخرهم بالتكذيب. وتواطؤوا عليه؛ والألف للتوبيخ والتعجب. {بل هم قوم طاغون} أي لم يوص بعضهم بعضا بل جمعهم الطغيان، وهو مجاوزة الحد في الكفر. {فتول عنهم} أي أعرض عنهم وأصفح عنهم {فما أنت بملوم} عند الله لأنك أديت ما عليك من تبليغ الرسالة، ثم نسخ هذا بقوله تعالى {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} وقيل : نسخ بآية السيف. والأول قول الضحاك؛ لأنه قد أمر بالإقبال عليهم بالموعظة. وقال مجاهد {فتول عنهم} فأعرض عنهم {فما أنت بملوم} أي ليس يلومك ربك على تقصير كان منك {وذكر} أي بالعظة فإن العظة {تنفع المؤمنين}. قتادة {وذكر} بالقرآن {فإن الذكرى} به {تنفع المؤمنين}. وقيل : ذكرهم بالعقوبة وأيام الله. وخص المؤمنين؛ لأنهم المنتفعون بها.
أتواصى الأولون والآخرون بالتكذيب بالرسول حين قالوا ذلك جميعًا؟ بل هم قوم طغاة تشابهت قلوبهم وأعمالهم بالكفر والطغيان، فقال متأخروهم ذلك، كما قاله متقدموهم.
يقول الله تعالى: هذه الأقوال التي صدرت منهم -الأولين والآخرين- هل هي أقوال تواصوا بها، ولقن بعضهم بعضًا بها؟
فلا يستغرب -بسبب ذلك- اتفاقهم عليها: { أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } تشابهت قلوبهم وأعمالهم بالكفر والطغيان، فتشابهت أقوالهم الناشئة عن طغيانهم؟ وهذا هو الواقع، كما قال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } وكذلك المؤمنون، لما تشابهت قلوبهم بالإذعان للحق وطلبه، والسعي فيه، بادروا إلى الإيمان برسلهم وتعظيمهم، وتوقيرهم، وخطابهم بالخطاب اللائق بهم.
قال الله تعالى : ( أتواصوا به ) أي : أوصى أولهم آخرهم وبعضهم بعضا بالتكذيب وتواطئوا عليه ؟ والألف فيه للتوبيخ ( بل هم قوم طاغون ) قال ابن عباس : حملهم الطغيان فيما أعطيتهم ووسعت عليهم على تكذيبك
(أَتَواصَوْا) الهمزة حرف استفهام وتوبيخ وماض وفاعله (بِهِ) متعلقان بالفعل والجملة مستأنفة (بَلْ) حرف عطف وإضراب (هُمْ قَوْمٌ) مبتدأ وخبره (طاغُونَ) صفة قوم والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها
Traslation and Transliteration:
Atawasaw bihi bal hum qawmun taghoona
Have they handed down (the saying) as an heirloom one unto another? Nay, but they are froward folk.
Onlar, bunu birbirlerine tavsiye mi ettiler? Hayır, onlar, azgın bir topluluktu.
Est-ce qu'ils se sont transmis cette injonction? Ils sont plutôt des gens transgresseurs.
Vermachten sie es einander etwa?! Nein, sondern sie sind übertretende Leute.
 |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الذاريات (Az-Zariyat - The Winnowing Winds) |
ترتيبها |
51 |
عدد آياتها |
60 |
عدد كلماتها |
360 |
عدد حروفها |
1510 |
معنى اسمها |
(الذَّارِيَاتُ): الرِّيَاحُ تَذْرُوْ التُّرَابَ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ حَتَّى يَتَطَايَرُ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ مُفْرَدَةِ (الذَّارِيَاتِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الذَّارِيَاتِ) |
مقاصدها |
مُعَالَجَةُ إِنْكَارِ عَقِيدَةِ البَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَضَرْبُ الأَمْثِلَةِ عَلَى عُقُوبَةِ الأُمَمِ المُكَذِّبَةِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
مِنْ النَّظَائِرِ الَّتِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَات، فَفِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الطَّويلِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ النَّظائِرَ؛ السُّورتينِ في رَكعةٍ ، (وَالطُّورَ والذَّارِيَاتِ) فِي رَكعةٍ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الذَّارِيَاتِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَن الْوَعْدِ بِيَومِ البَعْثِ وَالنُّشُورِ، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٞ ٥﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوۡمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ ٦٠﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الذَّارِيَاتِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (ق): السُّوَرَتَانِ مَوْضُوْعُهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ إِنْكَارُ الكُفَّارِ لِيَومِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ. |