المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الزمر: [الآية 46]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة الزمر | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75)
-الوجه الأول -الملائكة الحافون حول العرش ما لهم سباحة إلا في العماء الذي ظهر فيه العرش ، وهؤلاء الملائكة خلقهم اللّه تعالى من نور العرش الذي استوى عليه الرحمن ، فإنهم إليه يتوجهون وعليه يعولون ، وحوله يحومون وبه يطوفون ، وحيثما كانوا فإليه يشيرون ، فمتى حدث في الكون حادثة أو نزلت به نازلة ، رفعوا أيدي المسألة والتضرع إلى جهة عرشه ، يطلبون الشفا ويستعفون عن الخطا ، لأن موجد الكون لا جهة له يشار إليها ، ولا أينية له يقصدونها ، ولا كيفية له يعرفونها ، فلو لم يكن العرش جهة يتوجهون إليه للقيام بخدمته ، ولأداء طاعته ، لضلوا في طلبهم ، فهو سبحانه إنما أوجد العرش إظهارا لقدرته ، لا محلا لذاته ، وأوجد الوجود لا لحاجة إليه ، وإنما هو إظهار لأسمائه وصفاته
- الوجه الثاني -هذا العرش الذي تحف به الملائكة ما هو العرش الذي استوى عليه الرحمن ، فإن الثاني قد عمر الخلاء ، وإنما العرش الذي تحف به الملائكة هو العرش الذي يأتي اللّه به للفصل والقضاء يوم القيامة ، ولذلك تمم الآية بقوله «وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» عند الفراغ من القضاء ، فذلك العرش يوم القيامة تحمله الثمانية الأملاك ، وذلك بأرض المحشر ونسبة العرش إلى تلك الأرض نسبة الجنة إلى عرض الحائط في قبلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، من غير أن يوسع الضيق أو يضيق الواسع ، «وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ»
اعلم أن الحكم للرحمة ، ويوم القيامة يوم العدل في القضاء ، وإنما تأتي الرحمة في القيامة ليشهد الأمر ، حتى إذا انته حكم العدل وانقضت مدته في المحكوم عليه ، تولت الرحمة الحكم فيه إلى غير نهاية «وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» - إشارة - من قام باللام وحده ، ووقف على ما حصل عنده ، وجاوزه إلى مطلعه وحده ، ولم ير مثله ولا ضده ، وملك وعيده ووعده ، وأمن قربه وبعده ، وعرف أنه لا يأتي أحد بعده ، قال : الحمد للّه الذي صدقنا وعده – شرح
[إشارة :من قام باللام وحده ]
هذه الإشارة - قوله «من قام باللام وحده» يريد أن اللام للفناء ، فيكون القائم الحق لا هو ، لأنك تقول «الحمد للّه» فجعلته حامدا لنفسه ، قائما بحمده ، وإذا قلت «الحمد باللّه» فقد جعلت الباء للاستعانة ، فاللام له ، والباء لنا ،
ولذلك قال : العلماء لي والعارفون بي «1» - قوله «ووقف على ما حصل عنده» يعني تميزت له نفسه بما كشف الحق له من المراتب ، قوله «
ولم ير مثله ولا ضده» يعني لشغله بربه ، أو بموازنة نفسه مع ربه فيم وجّه عليها ، قوله «وملك وعيده ووعده» أي لم يؤثر فيه لا رغبة ولا رهبة ، أي لا صفة حكمت عليه ، فهو عبد ذات لا عبد صفة ، قوله «وأمن قربه وبعده»
أي لم يتأثر للأسماء المؤثرات في القرب والبعد ، وأما الوعد والوعيد فلآثار الأسماء ، وقوله «وعرف أنه لا يأتي أحد بعده» أي لا يأتي أحد بعد بأكمل من هذا المقام ، وإنما يتفاوتون في استصحابه أو عدم استصحابه ،
قال : الحمد للّه الذي صدقنا وعده .
------------
(75) الفتوحات ج 3 / 420 ، 431 - كتاب شجرة الكون - الفتوحات ج 2 / 436 - ج 3 / 492 - كتاب الإسراء - كتاب النجاةتفسير ابن كثير:
يقول تعالى بعد ما ذكر عن المشركين ما ذكر من المذمة ، لهم في حبهم الشرك ، ونفرتهم عن التوحيد ( قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة ) أي : ادع أنت الله وحده لا شريك له ، الذي خلق السماوات والأرض وفطرها ، أي : جعلها على غير مثال سبق ، ( عالم الغيب والشهادة ) أي : السر والعلانية ، ( أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون ) أي : في دنياهم ، ستفصل بينهم يوم معادهم ونشورهم ، وقيامهم من قبورهم .
وقال مسلم في صحيحه : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا عمر بن يونس ، حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال : سألت عائشة [ - رضي الله عنها - ] بأي شيء كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفتتح صلاته إذا قام من الليل ؟ قالت : كان إذا قام من الليل افتتح صلاته : " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، وأخبرنا سهيل بن أبي صالح وعبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من قال : اللهم فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، إني أعهد إليك في هذه الدنيا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، وأن محمدا عبدك ورسولك ، فإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير ، وإني لا أثق إلا برحمتك ، فاجعل لي عندك عهدا توفينيه يوم القيامة ، إنك لا تخلف الميعاد ، إلا قال الله - عز وجل - لملائكته يوم القيامة : إن عبدي قد عهد إلي عهدا فأوفوه إياه ، فيدخله الله الجنة " .
قال سهيل : فأخبرت القاسم بن عبد الرحمن أن عونا أخبر بكذا وكذا ؟ فقال : ما في أهلنا جارية إلا وهي تقول هذا في خدرها . انفرد به الإمام أحمد .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثني حيي بن عبد الله ; أن أبا عبد الرحمن حدثه قال : أخرج لنا عبد الله بن عمرو قرطاسا وقال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا يقول : " اللهم فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت رب كل شيء ، وإله كل شيء ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، وحدك لا شريك لك ، وأن محمدا عبدك ورسولك ، والملائكة يشهدون ، أعوذ بك من الشيطان وشركه ، وأعوذ بك أن أقترف على نفسي إثما ، أو أجره إلى مسلم " .
قال أبو عبد الرحمن : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمه عبد الله بن عمرو أن يقول ذلك حين يريد أن ينام . تفرد به أحمد أيضا .
وقال [ الإمام ] أحمد أيضا : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا ابن عياش ، عن محمد بن زياد الألهاني ، عن أبي راشد الحبراني قال : أتيت عبد الله بن عمرو فقلت له : حدثنا ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فألقى بين يدي صحيفة فقال : هذا ما كتب لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظرت فيها فإذا فيها أن أبا بكر الصديق قال : يا رسول الله ، علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت . فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا أبا بكر ، قل اللهم فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، لا إله إلا أنت ، رب كل شي ومليكه ، أعوذ بك من شر نفسي ، وشر الشيطان وشركه ، أو أقترف على نفسي سوءا ، أو أجره إلى مسلم " .
ورواه الترمذي ، عن الحسن بن عرفة ، عن إسماعيل بن عياش ، به ، وقال : حسن غريب من هذا الوجه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم ، حدثنا شيبان ، عن ليث ، عن مجاهد قال : قال أبو بكر الصديق : أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت ، وإذا أخذت مضجعي من الليل : " اللهم فاطر السماوات والأرض " إلى آخره .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
ولهذا قال { قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي: خالقهما ومدبرهما. { عَالِمَ الْغَيْبِ } الذي غاب عن أبصارنا وعلمنا { وَالشَّهَادَةِ } الذي نشاهده.
{ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } وإن من أعظم الاختلاف اختلاف الموحدين المخلصين القائلين: إن ما هم عليه هو الحق، وإن لهم الحسنى في الآخرة دون غيرهم، والمشركين الذين اتخذوا من دونك الأنداد والأوثان، وسووا فيك من لا يسوى شيئا، وتنقصوك غاية التنقص، واستبشروا عند ذكر آلهتهم، واشمأزوا عند ذكرك، وزعموا مع هذا أنهم على الحق وغيرهم على الباطل، وأن لهم الحسنى.
قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }
وقد أخبرنا بالفصل بينهم بعدها بقوله: { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } إلى أن قال: { إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ }
وقال تعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ } ففي هذه الآية، بيان عموم خلقه تعالى وعموم علمه، وعموم حكمه بين عباده،.فقدرته التي نشأت عنها المخلوقات، وعلمه المحيط بكل شيء، دال على حكمه بين عباده وبعثهم، وعلمه بأعمالهم، خيرها وشرها، وبمقادير جزائها، وخلقه دال على علمه { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ }
تفسير البغوي
( قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون ) ، أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أخبرنا أبو نعيم الإسفراييني ، أخبرنا أبو عوانة ، حدثنا السلمي ، حدثنا النضر بن محمد ، حدثنا عكرمة بن عمار ، أخبرنا يحيى بن أبي كثير ، حدثنا أبو سلمة قال : سألت عائشة رضي الله عنها بم كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفتتح الصلاة من الليل ؟ قالت : كان يقول : " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " .
الإعراب:
(قُلِ) أمر فاعله مستتر والجملة مستأنفة (اللَّهُمَّ) منادى والميم المشددة عوض عن حرف النداء (فاطِرَ) بدل من اللهم (السَّماواتِ) مضاف إليه (وَالْأَرْضِ) معطوف على ما قبله (عالِمَ) بدل (الْغَيْبِ) مضاف إليه (وَالشَّهادَةِ) معطوف على الغيب (أَنْتَ) مبتدأ (تَحْكُمُ) مضارع مرفوع فاعله مستتر والجملة خبر (بَيْنَ) ظرف مكان (عِبادِكَ) مضاف إليه (فِي ما) متعلقان بالفعل (كانُوا) كان واسمها (فِيهِ) متعلقان بيختلفون والجملة صلة (يَخْتَلِفُونَ) مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعله والجملة خبر.