«إنك» خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم «ميت وإنهم ميتون» ستموت ويموتون فلا شماتة بالموت، نزلت لما استبطؤوا موته صلى الله عليه وسلم.
وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75)
-الوجه الأول -الملائكة الحافون حول العرش ما لهم سباحة إلا في العماء الذي ظهر فيه العرش ، وهؤلاء الملائكة خلقهم اللّه تعالى من نور العرش الذي استوى عليه الرحمن ، فإنهم إليه يتوجهون وعليه يعولون ، وحوله يحومون وبه يطوفون ، وحيثما كانوا فإليه يشيرون ، فمتى حدث في الكون حادثة أو نزلت به نازلة ، رفعوا أيدي المسألة والتضرع إلى جهة عرشه ، يطلبون الشفا ويستعفون عن الخطا ، لأن موجد الكون لا جهة له يشار إليها ، ولا أينية له يقصدونها ، ولا كيفية له يعرفونها ، فلو لم يكن العرش جهة يتوجهون إليه للقيام بخدمته ، ولأداء طاعته ، لضلوا في طلبهم ، فهو سبحانه إنما أوجد العرش إظهارا لقدرته ، لا محلا لذاته ، وأوجد الوجود لا لحاجة إليه ، وإنما هو إظهار لأسمائه وصفاته
- الوجه الثاني -هذا العرش الذي تحف به الملائكة ما هو العرش الذي استوى عليه الرحمن ، فإن الثاني قد عمر الخلاء ، وإنما العرش الذي تحف به الملائكة هو العرش الذي يأتي اللّه به للفصل والقضاء يوم القيامة ، ولذلك تمم الآية بقوله «وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» عند الفراغ من القضاء ، فذلك العرش يوم القيامة تحمله الثمانية الأملاك ، وذلك بأرض المحشر ونسبة العرش إلى تلك الأرض نسبة الجنة إلى عرض الحائط في قبلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، من غير أن يوسع الضيق أو يضيق الواسع ، «وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ»
اعلم أن الحكم للرحمة ، ويوم القيامة يوم العدل في القضاء ، وإنما تأتي الرحمة في القيامة ليشهد الأمر ، حتى إذا انته حكم العدل وانقضت مدته في المحكوم عليه ، تولت الرحمة الحكم فيه إلى غير نهاية «وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» - إشارة - من قام باللام وحده ، ووقف على ما حصل عنده ، وجاوزه إلى مطلعه وحده ، ولم ير مثله ولا ضده ، وملك وعيده ووعده ، وأمن قربه وبعده ، وعرف أنه لا يأتي أحد بعده ، قال : الحمد للّه الذي صدقنا وعده – شرح
[إشارة :من قام باللام وحده ]
هذه الإشارة - قوله «من قام باللام وحده» يريد أن اللام للفناء ، فيكون القائم الحق لا هو ، لأنك تقول «الحمد للّه» فجعلته حامدا لنفسه ، قائما بحمده ، وإذا قلت «الحمد باللّه» فقد جعلت الباء للاستعانة ، فاللام له ، والباء لنا ،
ولذلك قال : العلماء لي والعارفون بي «1» - قوله «ووقف على ما حصل عنده» يعني تميزت له نفسه بما كشف الحق له من المراتب ، قوله «
ولم ير مثله ولا ضده» يعني لشغله بربه ، أو بموازنة نفسه مع ربه فيم وجّه عليها ، قوله «وملك وعيده ووعده» أي لم يؤثر فيه لا رغبة ولا رهبة ، أي لا صفة حكمت عليه ، فهو عبد ذات لا عبد صفة ، قوله «وأمن قربه وبعده»
أي لم يتأثر للأسماء المؤثرات في القرب والبعد ، وأما الوعد والوعيد فلآثار الأسماء ، وقوله «وعرف أنه لا يأتي أحد بعده» أي لا يأتي أحد بعد بأكمل من هذا المقام ، وإنما يتفاوتون في استصحابه أو عدم استصحابه ،
قال : الحمد للّه الذي صدقنا وعده .
------------
(75) الفتوحات ج 3 /
420 ، 431 - كتاب شجرة الكون - الفتوحات ج 2 /
436 - ج 3 /
492 - كتاب الإسراء - كتاب النجاة
وقوله : ( إنك ميت وإنهم ميتون ) هذه الآية من الآيات التي استشهد بها الصديق [ رضي الله عنه ] عند موت الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى تحقق الناس موته ، مع قوله : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) [ آل عمران : 144 ] .
ومعنى هذه الآية : ستنقلون من هذه الدار لا محالة وستجتمعون عند الله في الدار الآخرة ، وتختصمون فيما أنتم فيه في الدنيا من التوحيد والشرك بين يدي الله - عز وجل - فيفصل بينكم ، ويفتح بالحق وهو الفتاح العليم ، فينجي المؤمنين المخلصين الموحدين ، ويعذب الكافرين الجاحدين المشركين المكذبين .
ثم إن هذه الآية - وإن كان سياقها في المؤمنين والكافرين ، وذكر الخصومة بينهم في الدار الآخرة - فإنها شاملة لكل متنازعين في الدنيا ، فإنه تعاد عليهم الخصومة في الدار الآخرة .
قوله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون} قرأ ابن محيصن وابن أبي عبلة وعيسى بن عمر وابن أبي إسحاق {إنك مائت وإنهم مائتون} وهي قراءة حسنة وبها قرأ عبدالله بن الزبير. النحاس : ومثل هذه الألف تحذف في الشواذ و{مائت} في المستقبل كثير في كلام العرب؛ ومثله ما كان مريضا وإنه لمارض من هذا الطعام. وقال الحسن والفراء والكسائي : الميت بالتشديد من لم يمت وسيموت، والميت بالتخفيف من فارقته الروح؛ فلذلك لم تخفف هنا. قال قتادة : نعيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، ونعيت إليكم أنفسكم. وقال ثابت البناني : نعى رجل إلى صلة بن أشيم أخا له فوافقه يأكل، فقال : ادن فكل فقد نعي إلي أخي منذ حين؛ قال : وكيف وأنا أول من أتاك بالخبر. قال إن الله تعالى نعاه إلي فقال: {إنك ميت وإنهم ميتون}. وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أخبره بموته وموتهم؛ فاحتمل خمسة أوجه : أحدها : أن يكون ذلك تحذيرا من الآخرة. الثاني : أن يذكره حثا على العمل. الثالث : أن يذكره توطئة للموت. الرابع : لئلا يختلفوا في موته كما اختلفت الأمم في غيره، حتى أن عمر رضي الله عنه لما أنكر موته احتج أبو بكر رضي الله عنه بهذه الآية فأمسك. الخامس : ليعلمه أن الله تعالى قد سوى فيه بين خلقه مع تفاضلهم في غيره؛ لتكثر فيه السلوة وتقل فيه الحسرة. قوله تعالى: {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} يعني تخاصم الكافر والمؤمن والظالم والمظلوم؛ قال ابن عباس وغيره. وفي خبر فيه طول : إن الخصومة تبلغ يوم القيامة إلى أن يحاج الروح الجسد. وقال الزبير : لما نزلت هذه الآية قلنا : يا رسول الله أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب؟ قال : (نعم ليكررن عليكم حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه) فقال الزبير : والله إن الأمر لشديد. وقال ابن عمر : لقد عشنا برهة من دهرنا ونحن نرى هذه الآية نزلت فينا وفي أهل الكتابين {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} فقلنا : وكيف نختصم ونبينا واحد وديننا واحد، حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف؛ فعرفت أنها فينا نزلت. وقال أبو سعيد الخدري : (كنا نقول ربنا واحد وديننا واحد ونبينا واحد فما هذه الخصومة فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا نعم هو هذا). وقال إبراهيم النخعي : لما نزلت هذه الآية جعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : ما خصومتنا بيننا؟ فلما قتل عثمان رضي الله عنه قالوا : هذه خصومتنا بيننا. وقيل تخاصمهم هو تحاكمهم إلى الله تعالى، فيستوفي من حسنات الظالم بقدر مظلمته، ويردها في حسنات من وجبت له. وهذا عام في جميع المظالم كما في حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (أتدرون من المفلس) قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. قال : (إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) ""خرجه مسلم"". وقد مضى المعنى مجودا في {آل عمران} وفي البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) وفي الحديث المسند (أول ما تقع الخصومات في الدنيا) وقد ذكرنا هذا الباب كله في التذكرة مستوفى.
إنك -أيها الرسول- ميت وإنهم ميتون، ثم إنكم جميعًا- أيها الناس- يوم القيامة عند ربكم تتنازعون، فيحكم بينكم بالعدل والإنصاف.
{ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } أي: كلكم لا بد أن يموت { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ }
( إنك ميت ) أي : ستموت ، ( وإنهم ميتون ) أي : سيموتون . قال الفراء والكسائي : الميت - بالتشديد - من لم يمت وسيموت ، الميت - بالتخفيف - من فارقه الروح ، ولذلك لم يخفف هاهنا .
(إِنَّكَ مَيِّتٌ) إن واسمها وخبرها والجملة مستأنفة (وَإِنَّهُمْ) إن واسمها (مَيِّتُونَ) خبر إنّ والجملة معطوفة على ما قبلها
Traslation and Transliteration:
Innaka mayyitun wainnahum mayyitoona
Lo! thou wilt die, and lo! they will die;
Şüphe yok ki sen de öleceksin ve onlar da ölecekler.
En vérité tu mourras et ils mourront eux aussi;
Gewiß, du wirst sterben und sie werden zweifelsohne sterben.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الزمر (Az-Zumar - The Troops) |
ترتيبها |
39 |
عدد آياتها |
75 |
عدد كلماتها |
1177 |
عدد حروفها |
4741 |
معنى اسمها |
الزُّمَرُ: الجَمَاعَاتُ، وَالمُرَادُ (بِالزُّمَرِ): جَمَاعَاتُ الْكُفَّارِ يُسَاقُونَ إَلَى النَّارِ، وَجَمَاعَاتُ المُؤمِنِينَ يُسَاقُونَ إِلَى الجَنَّةِ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ مُفْرَدَةِ (الزُّمَرِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الْاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الزُّمَرِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (الغُرَفْ) |
مقاصدها |
بَيَانُ صِفَاتِ أَهْلِ الإِيمَانِ وَصِفَاتِ أَهْلِ الكُفْرِ؛ وَجَزَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
يُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهَا قَبْلَ النَّومِ، قَالَتْ عَاَئِشَةُ رضي الله عنه: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لا يَنامُ حَتَّى يَقْرَأَ (بَنِي إِسرَائِيلَ، والزُّمَرَ)». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ التِّرمِذيُّ) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الزُّمَرِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ حُكْمِ اللهِ وَعَدْلِهِ، فَقَالَ فِي أَوَّلِهَا: ﴿...إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ فِي مَا هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَۗ ...٣﴾، وَقَالَ فِي أَوَاخِرِهَا: ﴿وَوُفِّيَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِمَا يَفۡعَلُونَ ٧٠﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الزُّمَرِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (صٍ): خُتِمَتْ (ص) بِذِكْرِ القُرْآنِ؛ فَقَالَ: ﴿إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ٨٧ وَلَتَعۡلَمُنَّ نَبَأَهُۥ بَعۡدَ حِينِۭ ٨٨﴾، وَافْتُتِحَتِ (الزُّمَرُ) بِذِكْرِهِ؛ فَقَالَ: ﴿تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ ١﴾. |