المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الأحزاب: [الآية 53]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة الأحزاب | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72)
[" إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ . . .» الآية ]
«إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ، وأي أمانة أعظم من النيابة عن الحق في عباده ، فلا يصرفهم إلا بالحق ، فلا بد من الحضور الدائم ومن مراقبة التصريف «عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ» كان عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال بوحي يناسبها ، مثل قوله تعالى :
(وأوحى في كل سماء أمرها) «فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها» لأنها كانت عرضا لا أمرا ،
فلهذا أبت السماوات والأرض القبول ، لعلمها أنها تقع في الخطر ، فلا تدري ما يؤول إليها أمرها في ذلك ، وأبين أن يحملنها من أجل الذم الذي كان من اللّه لمن حملها ،
وهو أن اللّه وصف حاملها بالظلم والجهل ببنية المبالغة ، فإن حاملها ظلوم لنفسه ، جهول بقدر الأمانة «وَأَشْفَقْنَ مِنْها» أي خفن أن لا يقمن بحقها ، فاستبرأن لأنفسهن ،
فهل ترى إباية السماوات والأرض والجبال عن حمل الأمانة وإشفاقهن منها ، عن غير علم بقدر الأمانة وما يؤول إليه أمر من حملها فلم يحفظ حق اللّه فيها ؟ وعلمهم بالفرق بين العرض والأمر ،
فلما كان عرض تخيير احتاطوا لأنفسهم وطلبوا السلامة ، ولما أمرهم الحق تعالى بالإتيان فقال للسماوات والأرض (
ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) طاعة لأمر اللّه ، وحذرا أن يؤتى بهما على كره ،
أترى إباية من ذكر اللّه لجهلها ؟ لا واللّه ، بل الحمل للأمانة كان لمجرد الجهل من الحامل ،
وهل نعت اللّه بالجهل على المبالغة فيه والظلم لنفسه فيها لغيره إلا الحامل لها وهو الإنسان ، فعلمت الأرض ومن ذكر قدر الأمانة وأن حاملها على خطر ، فإنه ليس على يقين من اللّه أن يوفقه لأدائها إلى أهلها ، وعلمت مراد اللّه بالعرض أنه يريد ميزان العقل ، فكان عقل الأرض والجبال والسماء أوفر من عقل الإنسان ، حيث لم يدخلوا أنفسهم فيما لم يوجب اللّه عليهم ، فإن طلب حمل الأمانة كان عرضا لا أمرا ، وجعل بعض علماء الرسوم هذه الإباية والإشفاق حالا لا حقيقة ، وكذلك قوله عنهما (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) قول حال لا خطاب ،
وهذا كله ليس بصحيح ، ولا مراد في هذه الآيات ، بل الأمر على ظاهره كما ورد ، وهكذا يدركه أهل الكشف «وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ» عرضا أيضا لما وجد في نفسه من قوة الصورة التي خلق عليها ، لأنه لما خلق اللّه آدم على صورته أطلق عليه جميع أسمائه الحسنى ، وبقوتها حمل الأمانة المعروضة ، وما أعطته هذه الحقيقة أن يردها كما أبت السماوات والأرض والجبال حملها «إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا»
- الوجه الأول - «إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً» لو لم يحمله «جَهُولًا» لأن العلم باللّه عين الجهل به ، فالعجز عن درك الإدراك إدراك
-الوجه الثاني - «إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً» لنفسه حيث عرّض بنفسه إلى أمر عظيم إذا كان عارفا بقدر الأمانة ، وإذا لم يوفق لأدائها كان ظالما لنفسه ولغيره «جَهُولًا» وذلك لجهل الإنسان ذلك من نفسه وبقدر ما تحمل وحمل ، وإن كان عالما بقدرها فما هو عالم بما في علم اللّه فيه من التوفيق إلى أدائها ، بل هو جهول كما شهد اللّه فيه ، لأنه جهل هل يؤدي الأمانة إلى أهلها أم لا ؟ فكان قبول الإنسان الأمانة اختيارا لا جبرا ، فخان فيها لأنه وكل إلى نفسه وخذل ،
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : [ من طلب الإمارة وكل إليها ، ومن أعطيها من غير طلب بعث اللّه أو وكل اللّه به ملكا يسدده ]
فقال لنا تعالى لما حملنا الأمانة (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) فما حملها أحد من خلق اللّه إلا الإنسان ،
ولا يخلو إما أن يحملها عرضا أو جبرا ، فإن حملها عرضا فقد خاطر بنفسه ،
وإن حملها جبرا فهو مؤد لها على كل حال ، ومن ذلك نعلم أن من العالم ما هو مجبور فيما كلّف حمله ، وهو المعبر عنه بفرائض الأعيان وفرائض الكفاية ، ما لم يقم به واحد فيسقط الفرض عن الباقي ،
ومن العالم ما لم يجبر في الحمل وإنما عرض عليه ، فإن قبله فما قبله إلا لجهله بقدر ما حمل من ذلك ، كالإنسان لما عرضت عليه الأمانة وحملها ، كان لذلك ظلوما لنفسه جهولا بقدرها ،
والسماوات والأرض والجبال لما عرضت عليهن أبين أن يحملنها وأشفقن منها ، لمعرفتهن بقدر ما حملوا ، فلم يظلموا أنفسهم ، فما وصف أحد من المخلوقات بظلمه لنفسه إلا الإنسان ، فكان خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس في المنزلة ،
فإنهن كن أعلم بقدر الأمانة من الإنسان فبهذا كن أيضا أكبر من خلق الناس في المنزلة من العلم ، فإنهن ما وصفن بالجهل كما وصف الإنسان ، فإن اللّه لما عرض عليه الأمانة وقبلها كان بحكم الأصل ظلوما جهولا ، فإنه خوطب بحملها عرضا لا أمرا ، فإن حملها جبرا أعين عليها ،
فكان الإنسان ظلوما لنفسه جهولا ، يعني بقدر الأمانة ، فهي ثقيلة في المعنى وإن كانت خفيفة في التحمل ، فكانت السماوات والأرض والجبال في هذه المسألة أعلم من الإنسان ، ولم تكن في الحقيقة أعلم ، وإنما الإنسان لما كان مخلوقا على الصورة الإلهية ،
وكان مجموع العالم ، اغتر بنفسه وبما أعطاه اللّه من القوة بما ذكرناه ، فهان عليه حملها ، ثم إنه رأى الحق قد أهّله للخلافة من غير عرض عليه مقامها ، فتحقق أن الأهلية فيه موجودة ، ولم تقو السماوات على الانفراد ولا الأرض على الانفراد ولا الجبال على الانفراد قوة جمعية الإنسان ، فلهذا أبين أن يحملنها وأشفقن منها ،
وما علم الإنسان ما يطرأ عليه من العوارض في حملها ، فسمي بذلك العارض خائنا ، فإنه مجبول على الطمع والكسل ، وما قبلها إلا من كونه عجولا ، فلو فسح الحق له في الزمان حتى يفكر في نفسه ، وينظر في ذاته وفي عوارضه ، لبان له قدر ما عرض عليه ، فكان يأبى كما أبته السماء وغيرها ممن عرضت عليه ، ومن الأمانة التي حملها الإنسان الصفات الإلهية ،وهي على قسمين :
صفة إلهية تقتضي التنزيه، كالكبير والعلي ،
وصفة إلهية تقتضي التشبيه، كالمتكبر والمتعالي ،
وما وصف الحق به نفسه مما يتصف به العبد ، فمن جعل ذلك نزولا من الحق إلينا جعل الأصل للعبد ، ومن جعل ذلك للحق صفة إلهية لا تعقل نسبتها إليه لجهلنا به ، كان العبد في اتصافه بها يوصف بصفة ربانية في حال عبوديته ، فيكون جميع صفات العبد التي يقول فيها لا تقتضي التنزيه ، هي صفات الحق تعالى لا غيرها ، غير أنها لما تلبس بها العبد انطلق عليها لسان استحقاق للعبد ، والأمر على خلاف ذلك ، وهذا هو الذي يرتضيه المحققون ، وهو قريب إلى الأفهام إذا وقع الإنصاف ، وذلك أن العبد ما استنبطه ولا وصف الحق به ابتداء من نفسه ، وإنما الحق وصف بذلك نفسه على ما بلّغت رسله وما كشفه لأوليائه ، ونحن ما كنا نعلم هذه الصفات إلا لنا لا له بحكم الدليل العقلي ، فلما جاءت الشرائع بذلك ، وقد كان هو ولم نكن نحن ، علمنا أن هذه الصفات هي له بحكم الأصل ، ثم سرى حكمها فينا منه ، فهي له حقيقة وهي لنا مستعارة ، إذ كان ولا نحن ، فالإنسان ظلوم بما غصب من هذه الصفات من حيث جعلها لنفسه حقيقة ، جهول بمن هي له وبأنها غصب في يده ، فمن أراد أن يزول عنه وصف الظلم والجهالة فليرد الأمانة إلى أهلها ، والأمر المغصوب إلى صاحبه ، والأمر في ذلك هين جدا ، والعامة تظن أن ذلك صعب وليس كذلك .
------------
(72) الفتوحات ج 4 / 2209">2209">2209">185 - ج 2 / 21">58 - ج 4 / 2162">138 - ج 2 / 2">629 - ج 4 / 2316">292 ، 2209">2209">2209">185 - ج 3 / 490 ، 2 ، 333 - ج 4 / 2209">2209">2209">185 - ج 2 / 170 - ج 4 / 2209">2209">2209">185 - ج 3 / 2 - ج 2 / 282">519 - ج 3 / 2 - ج 4 / 2162">138 - ج 2 / 421 ، 20 ، 630 - ج 1 / 691تفسير ابن كثير:
هذه آية الحجاب ، وفيها أحكام وآداب شرعية ، وهي مما وافق تنزيلها قول عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، كما ثبت ذلك في الصحيحين عنه أنه قال : وافقت ربي في ثلاث ، فقلت : يا رسول الله ، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ؟ فأنزل الله : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) [ البقرة : 125 ] . وقلت : يا رسول الله ، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر ، فلو حجبتهن ؟ فأنزل الله آية الحجاب . وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما تمالأن عليه في الغيرة : ( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ) [ التحريم : 5 ] ، فنزلت كذلك .
وفي رواية لمسلم ذكر أسارى بدر ، وهي قضية رابعة .
وقد قال البخاري : حدثنا مسدد ، عن يحيى ، عن حميد ، أن أنس بن مالك قال : قال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، يدخل عليك البر والفاجر ، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ؟ فأنزل الله آية الحجاب .
وكان وقت نزولها في صبيحة عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ، التي تولى الله تعالى تزويجها بنفسه ، وكان ذلك في ذي القعدة من السنة الخامسة ، في قول قتادة والواقدي وغيرهما .
وزعم أبو عبيدة معمر بن المثنى ، وخليفة بن خياط : أن ذلك كان في سنة ثلاث ، فالله أعلم .
قال البخاري : حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشي ، حدثنا معتمر بن سليمان ، سمعت أبي ، حدثنا أبو مجلز ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ، دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون ، فإذا هو [ كأنه ] يتهيأ للقيام فلم يقوموا . فلما رأى ذلك قام ، فلما قام [ قام ] من قام ، وقعد ثلاثة نفر . فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل ، فإذا القوم جلوس ، ثم إنهم قاموا فانطلقت ، فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا . فجاء حتى دخل ، فذهبت أدخل ، فألقى [ الحجاب ] بيني وبينه ، فأنزل الله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي ) الآية .
وقد رواه أيضا في موضع آخر ، ومسلم والنسائي ، من طرق ، عن معتمر بن سليمان ، به . ثم رواه البخاري منفردا به من حديث أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، [ بنحوه . ثم قال : حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس بن مالك ] قال : بني [ على ] النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش بخبز ولحم ، فأرسلت على الطعام داعيا ، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون ، ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون . فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه ، فقلت : يا نبي الله ، ما أجد أحدا أدعوه . قال : " ارفعوا طعامكم " ، وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة ، فقال : " السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته " . قالت : وعليك السلام ورحمة الله ، كيف وجدت أهلك ، بارك الله لك ؟ فتقرى حجر نسائه كلهن ، يقول لهن كما يقول لعائشة ، ويقلن له كما قالت عائشة . ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رهط ثلاثة [ في البيت ] يتحدثون . وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء ، فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة ، فما أدري أخبرته أم أخبر أن القوم خرجوا ؟ فرجع حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب داخله ، وأخرى خارجه ، أرخى الستر بيني وبينه ، وأنزلت آية الحجاب .
انفرد به البخاري من بين أصحاب الكتب [ الستة ] ، سوى النسائي في اليوم والليلة ، من حديث عبد الوارث .
ثم رواه عن إسحاق - هو ابن منصور - عن عبد الله بن بكر السهمي ، عن حميد ، عن أنس ، بنحو ذلك ، وقال : " رجلان " انفرد به من هذا الوجه . وقد تقدم في أفراد مسلم من حديث سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو المظفر ، حدثنا جعفر بن سليمان ، عن الجعد - أبي عثمان اليشكري - عن أنس بن مالك قال : أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض نسائه ، فصنعت أم سليم حيسا ثم وضعته في تور ، فقالت : اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقرئه مني السلام ، وأخبره أن هذا منا له قليل - قال أنس : والناس يومئذ في جهد - فجئت به فقلت : يا رسول الله ، بعثت بهذا أم سليم إليك ، وهي تقرئك السلام ، وتقول : أخبره أن هذا منا له قليل ، فنظر إليه ثم قال : " ضعه " فوضعته في ناحية البيت ، ثم قال : " اذهب فادع لي فلانا وفلانا " . وسمى رجالا كثيرا ، وقال : " ومن لقيت من [ المسلمين " . فدعوت من قال لي ، ومن لقيت من ] المسلمين ، فجئت والبيت والصفة والحجرة ملأى من الناس - فقلت : يا أبا عثمان ، كم كانوا ؟ فقال : كانوا زهاء ثلاثمائة - قال أنس : فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جئ به " . فجئت به إليه ، فوضع يده عليه ، ودعا وقال : " ما شاء الله " . ثم قال : " ليتحلق عشرة عشرة ، وليسموا ، وليأكل كل إنسان مما يليه " . فجعلوا يسمون ويأكلون ، حتى أكلوا كلهم . فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ارفعه " . قال : فجئت فأخذت التور فما أدري أهو حين وضعت أكثر أم حين أخذت ؟ قال : وتخلف رجال يتحدثون في بيت رسول الله ، وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم التي دخل بها معهم مولية وجهها إلى الحائط ، فأطالوا الحديث ، فشقوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أشد الناس حياء - ولو أعلموا كان ذلك عليهم عزيزا - فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فسلم على حجره وعلى نسائه ، فلما رأوه قد جاء ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه ، ابتدروا الباب فخرجوا ، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أرخى الستر ، ودخل البيت وأنا في الحجرة ، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته يسيرا ، وأنزل الله عليه القرآن ، فخرج وهو يقرأ هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ) إلى قوله : ( بكل شيء عليما ) . قال أنس : فقرأهن علي قبل الناس ، فأنا أحدث الناس بهن عهدا .
وقد رواه مسلم والترمذي والنسائي جميعا ، عن قتيبة ، عن جعفر بن سليمان ، به . وقال الترمذي : حسن صحيح وعلقه البخاري في كتاب النكاح فقال :
وقال إبراهيم بن طهمان ، عن الجعد أبي عثمان ، عن أنس ، فذكر نحوه .
ورواه مسلم أيضا عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الجعد ، به . وقد روى هذا الحديث عبد الله بن المبارك ، عن شريك ، عن بيان بن بشر ، عن أنس ، بنحوه .
وروى البخاري والترمذي ، من طريقين آخرين ، عن بيان بن بشر الأحمسي الكوفي ، عن أنس ، بنحوه .
ورواه ابن أبي حاتم أيضا ، من حديث أبي نضرة العبدي ، عن أنس بن مالك ، بنحوه ورواه ابن جرير من حديث عمرو بن سعيد ، ومن حديث الزهري ، عن أنس ، بنحو ذلك .
وقال الإمام أحمد : حدثنا بهز وهاشم بن القاسم قالا حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس قال : لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليزيد " اذهب فاذكرها علي " . قال : فانطلق زيد حتى أتاها ، قال : وهي تخمر عجينها ، فلما رأيتها عظمت في صدري . . . وذكر تمام الحديث ، كما قدمناه عند قوله : ( فلما قضى زيد منها وطرا ) ، وزاد في آخره بعد قوله : ووعظ القوم بما وعظوا به . قال هاشم في حديثه : ( لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق ) .
وقد أخرجه مسلم والنسائي ، من حديث سليمان بن المغيرة ، به .
وقال ابن جرير : حدثني أحمد بن عبد الرحمن - ابن أخي ابن وهب - حدثني عمي عبد الله بن وهب ، حدثني يونس عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع - وهو صعيد أفيح - وكان عمر يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم : احجب نساءك . فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفعل ، فخرجت سودة بنت زمعة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت امرأة طويلة ، فناداها عمر بصوته الأعلى : قد عرفناك يا سودة . حرصا أن ينزل الحجاب ، قالت : فأنزل الله الحجاب .
هكذا وقع في هذه الرواية . والمشهور أن هذا كان بعد نزول الحجاب ، كما رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم ، من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها ، وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها ، فرآها عمر بن الخطاب فقال : يا سودة ، أما والله ما تخفين علينا ، فانظري كيف تخرجين ؟ قالت : فانكفأت راجعة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ، وإنه ليتعشى ، وفي يده عرق ، فدخلت فقالت : يا رسول الله ، إني خرجت لبعض حاجتي ، فقال لي عمر كذا وكذا . قالت : فأوحى الله إليه ، ثم رفع عنه وإن العرق في يده ، ما وضعه . فقال : " إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن " . لفظ البخاري .
فقوله : ( لا تدخلوا بيوت النبي ) : حظر على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذن ، كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام ، حتى غار الله لهذه الأمة ، فأمرهم بذلك ، وذلك من إكرامه تعالى هذه الأمة; ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياكم والدخول على النساء " .
ثم استثنى من ذلك فقال : ( إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ) .
قال مجاهد وقتادة وغيرهما : أي غير متحينين نضجه واستواءه ، أي : لا ترقبوا الطعام حتى إذا قارب الاستواء تعرضتم للدخول ، فإن هذا يكرهه الله ويذمه . وهذا دليل على تحريم التطفيل ، وهو الذي تسميه العرب الضيفن ، وقد صنف الخطيب البغدادي في ذلك كتابا في ذم الطفيليين . وذكر من أخبارهم أشياء يطول إيرادها .
ثم قال تعالى : ( ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ) . وفي صحيح مسلم عن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دعا أحدكم أخاه فليجب ، عرسا كان أو غيره " . وأصله في الصحيحين وفي الصحيح أيضا ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو دعيت إلى ذراع لأجبت ، ولو أهدي إلي كراع لقبلت ، فإذا فرغتم من الذي دعيتم إليه فخففوا عن أهل المنزل ، وانتشروا في الأرض " ; ولهذا قال : ( ولا مستأنسين لحديث ) أي : كما وقع لأولئك النفر الثلاثة الذين استرسل بهم الحديث ، ونسوا أنفسهم ، حتى شق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال [ الله ] تعالى : ( إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم ) .
وقيل : المراد أن دخولكم منزله بغير إذنه كان يشق عليه ويتأذى به ، لكن كان يكره أن ينهاهم عن ذلك من شدة حيائه ، عليه السلام ، حتى أنزل الله عليه النهي عن ذلك; ولهذا قال : ( والله لا يستحيي من الحق ) أي : ولهذا نهاكم عن ذلك وزجركم عنه .
ثم قال تعالى : ( وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ) أي : وكما نهيتكم عن الدخول عليهن ، كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية ، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن ، ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن مسعر ، عن موسى بن أبي كثير ، عن مجاهد ، عن عائشة قالت : كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم حيسا في قعب ، فمر عمر فدعاه ، فأصابت إصبعه إصبعي ، فقال : حس - أو : أوه - لو أطاع فيكن ما رأتك عين . فنزل الحجاب .
( ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ) أي : هذا الذي أمرتكم به وشرعته لكم من الحجاب أطهر وأطيب .
وقوله : ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما ) : قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن أبي حماد ، حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله تعالى : ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ) قال : نزلت في رجل هم أن يتزوج بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم . قال رجل لسفيان : أهي عائشة ؟ قال : قد ذكروا ذاك .
وكذا قال مقاتل بن حيان ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وذكر بسنده عن السدي أن الذي عزم على ذلك طلحة بن عبيد الله ، رضي الله عنه ، حتى نزل التنبيه على تحريم ذلك; ولهذا أجمع العلماء قاطبة على أن من توفي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه أنه يحرم على غيره تزويجها من بعده ; لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة وأمهات المؤمنين ، كما تقدم . واختلفوا فيمن دخل بها ثم طلقها في حياته هل يحل لغيره أن يتزوجها ؟ على قولين ، مأخذهما : هل دخلت هذه في عموم قوله : ( من بعده ) أم لا ؟ فأما من تزوجها ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، فما نعلم في حلها لغيره - والحالة هذه - نزاعا ، والله أعلم .
وقال ابن جرير : حدثني [ محمد ] بن المثنى ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا داود ، عن عامر; أن نبي الله صلى الله عليه وسلم مات وقد ملك قيلة بنت الأشعث - يعني : ابن قيس - فتزوجها عكرمة بن أبي جهل بعد ذلك ، فشق ذلك على أبي بكر مشقة شديدة ، فقال له عمر : يا خليفة رسول الله ، إنها ليست من نسائه ، إنها لم يخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يحجبها ، وقد برأها الله منه بالردة التي ارتدت مع قومها . قال : فاطمأن أبو بكر ، رضي الله عنهما وسكن .
وقد عظم الله تبارك وتعالى ذلك ، وشدد فيه وتوعد عليه بقوله : ( إن ذلكم كان عند الله عظيما ) ،
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
يأمر تعالى عباده المؤمنين، بالتأدب مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، في دخول بيوته فقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ } أي: لا تدخلوها بغير إذن للدخول فيها، لأجل الطعام. وأيضًا لا تكونوا { نَاظِرِينَ إِنَاهُ } أي: منتظرين ومتأنين لانتظار نضجه، أو سعة صدر بعد الفراغ منه. والمعنى: أنكم لا تدخلوا بيوت النبي إلا بشرطين:
الإذن لكم بالدخول، وأن يكون جلوسكم بمقدار الحاجة، ولهذا قال: { وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ } أي: قبل الطعام وبعده.
ثم بين حكمة النهي وفائدته فقال: { إِنَّ ذَلِكُمْ } أي: انتظاركم الزائد على الحاجة، { كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ } أي: يتكلف منه ويشق عليه حبسكم إياه عن شئون بيته، واشتغاله فيه { فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ } أن يقول لكم: { اخرجوا } كما هو جاري العادة، أن الناس -وخصوصًا أهل الكرم منهم- يستحيون أن يخرجوا الناس من مساكنهم، { و } لكن { اللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ }
فالأمر الشرعي، ولو كان يتوهم أن في تركه أدبا وحياء، فإن الحزم كل الحزم، اتباع الأمر الشرعي، وأن يجزم أن ما خالفه، ليس من الأدب في شيء. واللّه تعالى لا يستحي أن يأمركم، بما فيه الخير لكم، والرفق لرسوله كائنًا ما كان.
فهذا أدبهم في الدخول في بيوته، وأما أدبهم معه في خطاب زوجاته، فإنه، إما أن يحتاج إلى ذلك، أو لا يحتاج إليه، فإن لم يحتج إليه، فلا حاجة إليه، والأدب تركه، وإن احتيج إليه، كأن يسألن متاعًا، أو غيره من أواني البيت أو نحوها، فإنهن يسألن { مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } أي: يكون بينكم وبينهن ستر، يستر عن النظر، لعدم الحاجة إليه.
فصار النظر إليهن ممنوعًا بكل حال، وكلامهن فيه التفصيل، الذي ذكره اللّه، ثم ذكر حكمة ذلك بقوله: { ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } لأنه أبعد عن الريبة، وكلما بعد الإنسان عن الأسباب الداعية إلى الشر، فإنه أسلم له، وأطهر لقلبه.
فلهذا، من الأمور الشرعية التي بين اللّه كثيرًا من تفاصيلها، أن جميع وسائل الشر وأسبابه ومقدماته، ممنوعة، وأنه مشروع، البعد عنها، بكل طريق.
ثم قال كلمة جامعة وقاعدة عامة: { وَمَا كَانَ لَكُمْ } يا معشر المؤمنين، أي: غير لائق ولا مستحسن منكم، بل هو أقبح شيء { أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ } أي: أذية قولية أو فعلية، بجميع ما يتعلق به، { وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا } هذا من جملة ما يؤذيه، فإنه صلى اللّه عليه وسلم، له مقام التعظيم، والرفعة والإكرام، وتزوج زوجاته [بعده] مخل بهذا المقام.
وأيضا، فإنهن زوجاته في الدنيا والآخرة، والزوجية باقية بعد موته، فلذلك لا يحل نكاح زوجاته بعده، لأحد من أمته. { إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا } وقد امتثلت هذه الأمة، هذا الأمر، واجتنبت ما نهى اللّه عنه منه، وللّه الحمد والشكر.
تفسير البغوي
قوله - عز وجل - : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ) الآية . قال أكثر المفسرين : نزلت هذه الآية في شأن وليمة زينب بنت جحش حين بنى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا يحيى بن بكير ، أخبرنا الليث عن عقيل ، عن ابن شهاب ، أخبرني أنس ابن مالك أنه كان ابن عشر سنين مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، قال : وكانت أم هانئ تواظبني على خدمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فخدمته عشر سنين ، وتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن عشرين سنة ، فكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل ، فكان أول ما أنزل في مبتنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزينب بنت جحش ، أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - بها عروسا فدعا القوم فأصابوا من الطعام ثم خرجوا ، وبقي رهط منهم عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأطالوا المكث ، فقام النبي لله فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا ، فمشى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومشيت حتى جاء حجرة عائشة ، ثم ظن أنهم قد خرجوا فرجع ورجعت معه ، حتى إذا دخل على زينب فإذا هم جلوس لم يخرجوا ، فرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ورجعت معه حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة وظن أنهم قد خرجوا فرجع ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا ، فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بيني وبينه الستر ، وأنزل الحجاب .
وقال أبو عثمان - واسمه الجعد - عن أنس قال : فدخل يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيت وأرخى الستر وإني لفي الحجرة ، وهو يقول : ( ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ) إلى قوله : ( والله لا يستحيي من الحق ) .
وروي عن ابن عباس أنها نزلت في ناس من المسلمين كانوا يتحينون طعام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيدخلون عليه قبل الطعام إلى أن يدرك ثم يأكلون ولا يخرجون ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتأذى بهم فنزلت
( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ) يقول : إلا أن تدعوا ) ( إلى طعام ) فيؤذن لكم فتأكلونه ( غير ناظرين إناه ) غير منتظرين إدراكه ووقت نضجه ، يقال : أنى الحميم : إذا انتهى حره ، وإنى أن يفعل ذلك : إذا حان ، إنى بكسر الهمزة مقصورة ، فإذا فتحتها مددت فقلت الإناء ، وفيه لغتان إنى يأنى ، وآن يئين ، مثل : حان يحين .
( ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم ) أكلتم الطعام ) ( فانتشروا ) تفرقوا واخرجوا من منزله ( ولا مستأنسين لحديث ) ولا طالبين الأنس للحديث ، وكانوا يجلسون بعد الطعام يتحدثون طويلا فنهوا عن ذلك .
( إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق ) أي : لا يترك تأديبكم وبيان الحق حياء .
( وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ) أي : من وراء ستر ، فبعد آية الحجاب لم يكن لأحد أن ينظر إلى امرأة من نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منتقبة كانت أو غير منتقبة ( ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ) من الريب .
وقد صح في سبب نزول آية الحجاب ما أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا يحيى بن بكير ، أخبرنا الليث ، حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع ، وهو صعيد أفيح ، وكان عمر يقول للنبي - صلى الله عليه وسلم - : احجب نساءك ، فلم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل ، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة من الليالي عشاء ، وكانت امرأة طويلة فناداها عمر : ألا قد عرفناك يا سودة - حرصا على أن ينزل الحجاب - فأنزل الله تعالى آية الحجاب .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أخبرنا حاجب ابن أحمد الطوسي ، أخبرنا عبد الرحيم بن منيب ، أخبرنا يزيد بن هارون ، أخبرنا حميد ، عن أنس قال : قال عمر : وافقني ربي في ثلاث قلت : يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ؟ فأنزل الله : " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " ، وقلت : يا رسول الله إنه يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ؟ فأنزل الله آية الحجاب ، قال : وبلغني بعض ما آذى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساؤه ، قال : فدخلت عليهن استقربهن واحدة واحدة ، قلت : والله لتنتهن أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن ، حتى أتيت على زينب فقالت : يا عمر ما كان في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت ، قال : فخرجت فأنزل الله - عز وجل - : " عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن " ( التحريم - 5 ) ، إلى آخر الآية .
قوله - عز وجل - : ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ) ليس لكم أذاه في شيء من الأشياء ( ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ) نزلت في رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : لئن قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنكحن عائشة .
قال مقاتل بن سليمان : هو طلحة بن عبيد الله ، فأخبره الله - عز وجل - أن ذلك محرم وقال : ( إن ذلكم كان عند الله عظيما ) أي : ذنبا عظيما .
وروى معمر عن الزهري ، أن العالية بنت ظبيان التي طلق النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجت رجلا وولدت له ، وذلك قبل تحريم أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - على الناس .
الإعراب:
(يا) أداة نداء (أَيُّهَا) منادى نكرة مقصودة في محل نصب على النداء والها للتنبيه (الَّذِينَ) اسم موصول في محل رفع بدل من أيها والجملة مستأنفة (آمَنُوا) ماض وفاعله والجملة صلة (لا) ناهية (تَدْخُلُوا) مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعله (بُيُوتَ) مفعول به (النَّبِيِّ) مضاف إليه والجملة مستأنفة (إِلَّا) أداة حصر (ن) .................
بخبر كان المقدم والجملة مستأنفة (أَنْ) حرف ناصب (تُؤْذُوا) مضارع منصوب وعلامة نصبه حذف النون والواو فاعل وأن وما بعدها في تأويل مصدر اسم إن المؤخر (رَسُولَ) مفعول به (اللَّهُ) لفظ الجلالة مضاف إليه (وَلا) الواو عاطفة ولا نافية (أَنْ تَنْكِحُوا) مضارع منصوب بأن والواو فاعله والجملة معطوفة (أَزْواجَهُ) مفعول به (مِنْ بَعْدِهِ) متعلقان بمحذوف حال (أَبَداً) ظرف زمان (أَنْ) حرف مشبه بالفعل (ذلِكُمْ) اسم الإشارة في محل نصب اسم إن والجملة تعليلية (كانَ) ماض واسمها محذوف والجملة خبر إن (عِنْدَ) ظرف متعلق بمحذوف حال (اللَّهُ) لفظ الجلالة مضاف إليه (عَظِيماً) خبر كان.