دأبُهم «كدأب» كعادة «آل فرعون والذين من قبلهم» من الأمم كعاد وثمود «كذبوا بآياتنا فأخذهم الله» أهلكم «بذنوبهم» والجملة مفسرة لما قبلها «والله شديد العقاب» ونزل لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم اليهودَ بالإسلام بعد مرجعه من بدر فقالوا لا يغرنك أن قتلت نفراً من قريش أغمارا لا يعرفون القتال.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)
الرباط أن يلزم الانسان نفسه دائما من غير حد ينتهي إليه ، أو يجعله في نفسه ، فإذا ربط نفسه بهذا الأمر ، فهو مرابط ، والرباط ملازمة ، وهو من أفضل أحوال المؤمن ، فكل إنسان إذا مات يختم على عمله إلا المرابط ، فإنه ينمّى له إلى يوم القيامة ، ويأمن فتان القبر ، ثبت هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، والرباط في الخير كله ، ما يختص به خير من خير ، فالكل
489
سبيل اللّه ، فإن سبيل اللّه ما شرعه اللّه لعباده أن يعملوا به ، فما يختصّ بملازمة الثغور فقط ولا بالجهاد ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال في انتظار الصلاة بعد الصلاة : إنه رباط . «وَاتَّقُوا اللَّهَ) يعني في ذلك كله ، أي اجعلوه وقاية تتقوا به هذه العزائم ، وذلك معونته في قوله (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) * (واستعينوا باللّه) فهذا معنى قوله «اتَّقُوا اللَّهَ» * «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» أي تكون لكم النجاة من مشقة الصبر والرباط .
------------
(200) الفتوحات ج 4 /
482 ، 347 ،
482
وقوله تعالى : ( كدأب آل فرعون ) قال الضحاك ، عن ابن عباس : كصنيع آل فرعون . وكذا روي عن عكرمة ، ومجاهد ، وأبي مالك ، والضحاك ، وغير واحد ، ومنهم من يقول : كسنة آل فرعون ، وكفعل آل فرعون وكشبه آل فرعون ، والألفاظ متقاربة . والدأب - بالتسكين ، والتحريك أيضا كنهر ونهر - : هو الصنع والشأن والحال والأمر والعادة ، كما يقال : لا يزال هذا دأبي ودأبك ، وقال امرؤ القيس :
وقوفا بها صحبي علي مطيهم يقولون : لا تهلك أسى وتجمل كدأبك من أم الحويرث قبلها
وجارتها أم الرباب بمأسل
والمعنى : كعادتك في أم الحويرث حين أهلكت نفسك في حبها وبكيت دارها ورسمها .
والمعنى في الآية : أن الكافرين لا تغني عنهم الأولاد ولا الأموال ، بل يهلكون ويعذبون ، كما جرى لآل فرعون ومن قبلهم من المكذبين للرسل فيما جاءوا به من آيات الله وحججه .
( [ كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم ] والله شديد العقاب ) أي : شديد الأخذ أليم العذاب ، لا يمتنع منه أحد ، ولا يفوته شيء بل هو الفعال لما يريد ، الذي [ قد ] غلب كل شيء وذل له كل شيء ، لا إله غيره ولا رب سواه .
الدأب العادة والشأن. ودأب الرجل في عمله يدأب دأبا ودؤوبا إذا جد واجتهد، وأدأبته أنا. وأدأب بعيره إذا جهده في السير. والدائبان الليل والنهار. قال أبو حاتم : وسمعت يعقوب يذكر "كدأب" بفتح الهمزة، وقال لي وأنا غليم : على أي شيء يجوز "كدأب"؟ فقلت له : أظنه من دَئِب يدْأَب دَأَبا. فقبل ذلك مني وتعجب من جودة تقديري على صغري؛ ولا أدري أيقال أم لا. قال النحاس: "وهذا القول خطأ، لا يقال البتة دَئِب؛ وإنما يقال : دَأَب يدْأَب دُؤوبا ودَأْبا؛ هكذا حكى النحويون، منهم الفراء حكاه في كتاب المصادر؛ كما قال امرؤ القيس : كدأبك من أم الحويرث قبلها ** وجارتها أم الرباب بمأسل فأما الدَّأَب فإنه يجوز؛ كما يقال : شَعْر وشَعَر ونَهْر ونَهَر؛ لأن فيه حرفا من "حروف الحلق". واختلفوا في الكاف؛ فقيل : هي في موضع رفع تقديره دأبهم كدأب آل فرعون، أي صنيع الكفار معك كصنيع آل فرعون مع موسى. وزعم الفراء أن المعنى : كفرت العرب ككفر آل فرعون. قال النحاس : لا يجوز أن تكون الكاف متعلقة بكفروا، لأن كفروا داخلة في الصلة. وقيل : هي متعلقة بـ {أخذهم الله}، أي أخذهم أخذا كما أخذ آل فرعون. وقيل : هي متعلقة بقوله {لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم...} [
آل عمران : 10] أي لم تغن عنهم غناء كما لم تغن الأموال والأولاد عن آل فرعون. وهذا جواب لمن تخلف عن الجهاد وقال : شغلتنا أموالنا وأهلونا. ويصح أن يعمل فيه فعل مقدر من لفظ الوقود، ويكون التشبيه في نفس الاحتراق. ويؤيد هذا المعنى {... وحاق بآل فرعون سوء العذاب. النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} [
المؤمن : 46]. والقول الأول أرجح، واختاره غير واحد من العلماء. قال ابن عرفة {كدأب آل فرعون} أي كعادة آل فرعون. يقول : اعتاد هؤلاء الكفرة الإلحاد والإعنات للنبي صلى الله عليه وسلم كما اعتاد آل فرعون من إعنات الأنبياء؛ وقال معناه الأزهري. فأما قوله في سورة (الأنفال) {كدأب آل فرعون} فالمعنى جوزي هؤلاء بالقتل والأسر كما جوزي آل فرعون بالغرق والهلاك. {بآياتنا} يحتمل أن يريد الآيات المتلوة، ويحتمل أن يريد الآيات المنصوبة للدلالة على الوحدانية. {فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب}.
شأن الكافرين في تكذيبهم وما ينزل بهم، شأن آل فرعون والذين من قبلهم من الكافرين، أنكروا آيات الله الواضحة، فعاجلهم بالعقوبة بسبب تكذيبهم وعنادهم. والله شديد العقاب لمن كفر به وكذَّب رسله.
كما جرى لفرعون ومن قبله ومن بعدهم من الفراعنة العتاة الطغاة أرباب الأموال والجنود لما كذبوا بآيات الله وجحدوا ما جاءت به الرسل وعاندوا، أخذهم الله بذنوبهم عدلا منه لا ظلما والله شديد العقاب على من أتى بأسباب العقاب وهو الكفر والذنوب على اختلاف أنواعها وتعدد مراتبها
( كدأب آل فرعون ) قال ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة ومجاهد : كفعل آل فرعون وصنيعهم في الكفر والتكذيب ، وقال عطاء والكسائي وأبو عبيدة : كسنة آل فرعون ، وقال الأخفش : كأمر آل فرعون وشأنهم ، وقال النضر بن شميل : كعادة آل فرعون ، يريد عادة هؤلاء الكفار في تكذيب الرسول وجحود الحق كعادة آل فرعون ، ( والذين من قبلهم ) كفار الأمم الماضية؛ مثل عاد وثمود وغيرهم ( كذبوا بآياتنا فأخذهم الله ) فعاقبهم الله ( بذنوبهم ) وقيل نظم الآية : ( إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم ) عند حلول النقمة والعقوبة مثل آل فرعون وكفار الأمم الخالية أخذناهم فلن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم ( والله شديد العقاب ) .
(كَدَأْبِ) جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف التقدير: دأبهم كدأب آل فرعون (آلِ) مضاف إليه (فِرْعَوْنَ) مضاف إليه مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة (وَالَّذِينَ) الواو عاطفة أو استئنافية الذين اسم موصول مبتدأ (مِنْ قَبْلِهِمْ) متعلقان بصلة الموصول (كَذَّبُوا بِآياتِنا) فعل ماض وفاعل والجار والمجرور متعلقان بكذبوا والجملة في محل نصب حال من آل فرعون.
(فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ) فعل وفاعل ومفعول به والجار والمجرور متعلقان بأخذهم، والجملة معطوفة (وَالله) الواو استئنافية الله لفظ الجلالة مبتدأ (شَدِيدُ) خبر (الْعِقابِ) مضاف إليه والجملة استئنافية.
Traslation and Transliteration:
Kadabi ali firAAawna waallatheena min qablihim kaththaboo biayatina faakhathahumu Allahu bithunoobihim waAllahu shadeedu alAAiqabi
Like Pharaoh's folk and those who were before them, they disbelieved Our revelations and so Allah seized them for their sins. And Allah is severe in punishment.
Firavun soyu ve ondan öncekiler gibi hani. Âyetlerimizi yalanladılar, Allah da onları suçlarıyla alıverdi ve Allah'ın cezası çetindir.
comme les gens de Pharaon et ceux qui vécurent avant eux. Ils avaient traité de mensonges Nos preuves. Allah les saisit donc, pour leurs péchés. Et Allah est dur en punition.
Genauso wie im Falle der Pharao-Familie und derjenigen vor ihnen, sie haben Unsere Ayat verleugnet, dann bestrafte ALLAH sie umgehend wegen ihrer Verfehlungen. Und ALLAH ist hart im Strafen.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة آل عمران (Al-i'Imran - Family of Imran) |
ترتيبها |
3 |
عدد آياتها |
200 |
عدد كلماتها |
3503 |
عدد حروفها |
14605 |
معنى اسمها |
عِمرَانُ: رَجُلٌ صَالِحٌ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالمُرَادُ بِـ(آلِ عِمْرَانَ): عِيسَى وَأُمُّهُ مَريَمُ وَيَحْيَى عليه السلام |
سبب تسميتها |
ذِكْرُ قِصَّةِ آلِ عِمْرَانَ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقصِدِ العَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (آلِ عِمرَانَ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (الكَنـْزِ)، وَسُورَةَ (الأَمَانِ)، وَتُلقَّبُ بِـ(الزَّهْرَاءِ) |
مقاصدها |
بَيانُ الأَدِلَّةِ وَالبَرَاهِينَ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللهِ وَأَحْكَامِ الجِهَادِ وغَيرِهِ، وَردِّ شُبُهَاتِ النَّصَارَى |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنْقَل سَبَبٌ ِلنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
تُحَاجُّ عَنْ صَاحِبِهَا يَومَ القِيَامَةِ، قَالَ ﷺ: «اقرَؤوا الزَّهْرَاوَيْنِ: البَقرةَ، وآلَ عِمرانَ؛ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ -أي سَحَابتانِ- أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِما». (رَوَاهُ مُسْلِم).
هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَنْ أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ مِنَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَالإِشَارَةُ إِلَيهَا.
فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ﴾ ...الآيَاتِ،وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ﴾ ...الآيَاتِ.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (آلِ عِمْرانَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (البَقَرَةِ):
ذِكْرُ دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي خَوَاتِيم سُورَةِ (البَقَرَةِ) وفي أوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ). |