المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة النور: [الآية 27]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة النور | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)
أمر اللّه العبد إذا دخل بيتا خاليا من كل أحد أن يسلم على نفسه في قوله تعالى : «فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ» فيكون العبد هنا مترجما عن الحق في سلامه ، لأنه قال : «تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً» فجعل الحق العبد رسولا من عنده إلى نفس العبد بهذه التحية المباركة لما فيها من زوائد الخير «طَيِّبَةً» لأنها طيبة الأعراف بسريانها من نفس الرحمن ، فأمرنا اللّه تعالى بالسلام علينا ، وهذا يدلك على أن الإنسان ينبغي أن يكون في صلاته أجنبيا عن نفسه بربه حتى يصح له أن يسلم عليه بكلام ربه في قوله : (السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين) فإنه قال : «تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً» فهو سلام اللّه على عبده وأنت ترجمانه إليك
[- إشارة -المئوف لا حرج عليه ]
-إشارة -المئوف لا حرج عليه ، والعالم كله مئوف لا حرج عليه لمن فتح اللّه عين بصيرته ، ولهذا قلنا : مآل العالم إلى الرحمة وإن سكنوا النار وكانوا من أهلها «لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ» وما ثمّ إلا هؤلاء ، فما ثمّ إلا مئوف ، فقد رفع اللّه الحرج بالعرج العاثر فيه ، فإنه ما ثمّ سواه ولا أنت ، والمريض المائل إليه ، لأنه ما ثمّ موجود يمال إليه إلا هو ، والأعمى عن غيره لا عنه ، لأنه لا يتمكن العمى عنه وما ثمّ إلا هو ، فالعالم كله أعمى أعرج مريض .
------------
(61) الفتوحات ج 1 / 429 - ج 2 / 126 -ح 4 / 435تفسير ابن كثير:
هذه آداب شرعية ، أدب الله بها عباده المؤمنين ، وذلك في الاستئذان أمر الله المؤمنين ألا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم حتى يستأنسوا ، أي : يستأذنوا قبل الدخول ويسلموا بعده . وينبغي أن يستأذن ثلاثا ، فإن أذن له ، وإلا انصرف ، كما ثبت في الصحيح : أن أبا موسى حين استأذن على عمر ثلاثا ، فلم يؤذن له ، انصرف . ثم قال عمر : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس يستأذن؟ ائذنوا له . فطلبوه فوجدوه قد ذهب ، فلما جاء بعد ذلك قال : ما رجعك؟ قال : إني استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا استأذن أحدكم ثلاثا ، فلم يؤذن له ، فلينصرف " . فقال : لتأتين على هذا ببينة وإلا أوجعتك ضربا . فذهب إلى ملأ من الأنصار ، فذكر لهم ما قال عمر ، فقالوا : لا يشهد لك إلا أصغرنا . فقام معه أبو سعيد الخدري فأخبر عمر بذلك ، فقال : ألهاني عنه الصفق بالأسواق .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن ثابت ، عن أنس - أو : غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة فقال : " السلام عليك ورحمة الله " . فقال سعد : وعليك السلام ورحمة الله ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثا . ورد عليه سعد ثلاثا ولم يسمعه . فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ، واتبعه سعد فقال : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، ما سلمت تسليمة إلا وهي بأذني ، ولقد رددت عليك ولم أسمعك ، وأردت أن أستكثر من سلامك ومن البركة . ثم أدخله البيت ، فقرب إليه زبيبا ، فأكل نبي الله . فلما فرغ قال : " أكل طعامكم الأبرار ، وصلت عليكم الملائكة ، وأفطر عندكم الصائمون " .
وقد روى أبو داود والنسائي ، من حديث أبي عمرو الأوزاعي : سمعت يحيى بن أبي كثير يقول : حدثني محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ، عن قيس بن سعد - هو ابن عبادة - قال : زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا ، فقال : " السلام عليكم ورحمة الله " . فرد سعد ردا خفيا ، قال قيس : فقلت : ألا تأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال : ذره يكثر علينا من السلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السلام عليكم ورحمة الله " . فرد سعد ردا خفيا ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السلام عليكم ورحمة الله " ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتبعه سعد فقال : يا رسول الله ، إني كنت أسمع تسليمك ، وأرد عليك ردا خفيا ، لتكثر علينا من السلام . قال : فانصرف معه [ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر له سعد بغسل ، فاغتسل ، ثم ناوله ملحفة مصبوغة ] بزعفران - أو : ورس - فاشتمل بها ، ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وهو يقول : " اللهم اجعل صلاتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة " . قال : ثم أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطعام ، فلما أراد الانصراف قرب إليه سعد حمارا قد وطأ عليه بقطيفة ، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد : يا قيس ، اصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال قيس : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اركب " . فأبيت ، فقال : " إما أن تركب وإما أن تنصرف " . قال : فانصرفت .
وقد روي هذا من وجه آخر فهو حديث جيد قوي ، والله أعلم .
ثم ليعلم أنه ينبغي للمستأذن على أهل المنزل ألا يقف تلقاء الباب بوجهه ، ولكن ليكن الباب ، عن يمينه أو يساره; لما رواه أبو داود : حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني - في آخرين - قالوا : حدثنا بقية ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن بسر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم ، لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ، ويقول : " السلام عليكم ، السلام عليكم " . وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور . تفرد به أبو داود .
وقال أبو داود أيضا : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، ( ح ) قال أبو داود : وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا حفص ، عن الأعمش ، عن طلحة ، عن هزيل قال : جاء رجل - قال عثمان : سعد - فوقف على باب النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن ، فقام على الباب - قال عثمان : مستقبل الباب - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " هكذا عنك - أو : هكذا - فإنما الاستئذان من النظر " .
وقد رواه أبو داود الطيالسي ، عن سفيان الثوري ، عن الأعمش عن طلحة بن مصرف ، عن رجل ، عن سعد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . رواه أبو داود من حديثه .
وفي الصحيحين ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ، ففقأت عينه ، ما كان عليك من جناح " .
وأخرج الجماعة من حديث شعبة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي ، فدققت الباب ، فقال : " من ذا " ؟ قلت : أنا . قال : " أنا ، أنا " كأنه كرهه .
وإنما كره ذلك لأن هذه اللفظة لا يعرف صاحبها حتى يفصح باسمه أو كنيته التي هو مشهور بها ، وإلا فكل أحد يعبر عن نفسه ب " أنا " ، فلا يحصل بها المقصود من الاستئذان ، الذي هو الاستئناس المأمور به في الآية .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : الاستئناس : الاستئذان . وكذا قال غير واحد .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في هذه الآية : ( لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا ) قال : إنما هي خطأ من الكاتب ، " حتى تستأذنوا وتسلموا " .
وهكذا رواه هشيم ، عن أبي بشر - وهو جعفر بن إياس - به . وروى معاذ بن سليمان ، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، بمثله ، وزاد : وكان ابن عباس يقرأ : " حتى تستأذنوا وتسلموا " ، وكان يقرأ على قراءة أبي بن كعب رضي الله عنه .
وهذا غريب جدا عن ابن عباس .
وقال هشيم أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم قال : في مصحف ابن مسعود : " حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا " . وهذا أيضا رواية عن ابن عباس ، وهو اختيار ابن جرير .
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا ابن جريج ، أخبرني عمرو بن أبي سفيان : أن عمرو بن أبي صفوان أخبره ، أن كلدة بن الحنبل أخبره ، أن صفوان بن أمية بعثه في الفتح بلبأ وجداية وضغابيس ، والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي . قال : فدخلت عليه ولم أسلم ولم أستأذن . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ارجع فقل : السلام عليكم ، أأدخل؟ " وذلك بعدما أسلم صفوان .
ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن جريج ، به وقال الترمذي : حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديثه .
وقال أبو داود : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو الأحوص ، عن منصور ، عن ربعي قال : حدثنا رجل من بني عامر استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو في بيته ، فقال : أألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه : " اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان ، فقل له : قل : السلام عليكم ، أأدخل؟ " فسمعه الرجل فقال : السلام عليكم ، أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخل .
وقال هشيم : أخبرنا منصور ، عن ابن سيرين - وأخبرنا يونس بن عبيد ، عن عمرو بن سعيد الثقفي - أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أألج - أو : أنلج؟ - فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأمة له ، يقال لها روضة : " قومي إلى هذا فعلميه ، فإنه لا يحسن يستأذن ، فقولي له يقول : السلام عليكم ، أأدخل " . فسمعها الرجل ، فقالها ، فقال : " ادخل " .
وقال الترمذي : حدثنا الفضل بن الصباح ، حدثنا سعيد بن زكريا ، عن عنبسة بن عبد الرحمن ، عن محمد بن زاذان ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السلام قبل الكلام " .
ثم قال الترمذي : عنبسة ضعيف الحديث ذاهب ، ومحمد بن زاذان منكر الحديث .
وقال هشيم : قال مغيرة : قال مجاهد : جاء ابن عمر من حاجة ، وقد آذاه الرمضاء ، فأتى قسطاط امرأة من قريش ، فقال : السلام عليكم ، أأدخل؟ قالت : ادخل بسلام . فأعاد ، فأعادت ، وهو يراوح بين قدميه ، قال : قولي : ادخل . قالت : ادخل ، فدخل .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو نعيم الأحول ، حدثنا خالد بن إياس ، حدثتني جدتي أم إياس قالت : كنت في أربع نسوة نستأذن [ على عائشة ] فقلت : ندخل؟ قالت : لا ، قلن لصاحبتكن : تستأذن . فقالت : السلام عليكم ، أندخل؟ قالت : ادخلوا ، ثم قالت : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) [ الآية ] .
وقال هشيم : أخبرنا أشعث بن سوار ، عن كردوس ، عن ابن مسعود قال : عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم وأخواتكم . قال أشعث ، عن عدي بن ثابت : إن امرأة من الأنصار قالت : يا رسول الله ، إني أكون في منزلي على الحال التي لا أحب أن يراني أحد عليها ، والد ولا ولد ، وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي ، وأنا على تلك الحال؟ قال : فنزلت : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) .
وقال ابن جريج : سمعت عطاء بن أبي رباح يخبر عن ابن عباس ، رضي الله عنه ، قال : ثلاث آيات جحدها الناس : قال الله : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) [ الحجرات : 13 ] ، قال : ويقولون : إن أكرمهم عند الله أعظمهم بيتا . قال : والإذن كله قد جحده الناس . قال : قلت : أستأذن على أخواتي أيتام في حجري ، معي في بيت واحد؟ قال : نعم . فرددت ليرخص لي ، فأبى . قال : تحب أن تراها عريانة؟ قلت : لا . قال : فاستأذن . قال : فراجعته أيضا ، فقال : أتحب أن تطيع الله؟ قلت : نعم . قال : فاستأذن .
قال ابن جريج : وأخبرني ابن طاوس عن أبيه قال : ما من امرأة أكره إلي أن أرى عريتها من ذات محرم . قال : وكان يشدد في ذلك .
وقال ابن جريج ، عن الزهري : سمعت هزيل بن شرحبيل الأودي الأعمى ، أنه سمع ابن مسعود يقول : عليكم الإذن على أمهاتكم .
وقال ابن جريج : قلت لعطاء : أيستأذن الرجل على امرأته؟ قال : لا .
وهذا محمول على عدم الوجوب ، وإلا فالأولى أن يعلمها بدخوله ولا يفاجئها به ، لاحتمال أن تكون على هيئة لا تحب أن يراها عليها .
وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا القاسم ، [ قال ] حدثنا الحسين ، حدثنا محمد بن حازم عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن يحيى بن الجزار ، عن ابن أخي زينب - امرأة عبد الله بن مسعود - ، عن زينب ، رضي الله عنها ، قالت : كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب ، تنحنح وبزق; كراهية أن يهجم منا على أمر يكرهه . إسناد صحيح .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي هبيرة قال : كان عبد الله إذا دخل الدار استأنس - تكلم ورفع صوته .
[ و ] قال مجاهد : ( حتى تستأنسوا ) قال : تنحنحوا - أو تنخموا .
وعن الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، أنه قال : إذا دخل الرجل بيته ، استحب له أن يتنحنح ، أو يحرك نعليه .
ولهذا جاء في الصحيح ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه نهى أن يطرق الرجل أهله طروقا - وفي رواية : ليلا يتخونهم .
وفي الحديث الآخر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة نهارا ، فأناخ بظاهرها ، وقال : " انتظروا حتى تدخل عشاء - يعني : آخر النهار - حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة " .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان ، عن واصل بن السائب ، حدثني أبو سورة ابن أخي أبي أيوب ، عن أبي أيوب قال : قلت : يا رسول الله ، هذا السلام ، فما الاستئناس؟ قال : " يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ، ويتنحنح فيؤذن أهل البيت " . هذا حديث غريب .
وقال قتادة في قوله : ( حتى تستأنسوا ) قال : هو الاستئذان . [ قال : وكان يقال : الاستئذان ] ثلاث ، فمن لم يؤذن له فيهن ، فليرجع . أما الأولى : فليسمع الحي ، وأما الثانية : فليأخذوا حذرهم ، وأما الثالثة : فإن شاءوا أذنوا وإن شاءوا ردوا . ولا تقفن على باب قوم ردوك عن بابهم; فإن للناس حاجات ولهم أشغال ، والله أولى بالعذر .
وقال مقاتل بن حيان في قوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) كان الرجل في الجاهلية إذا لقي صاحبه ، لا يسلم عليه ، ويقول : حييت صباحا وحييت مساء ، وكان ذلك تحية القوم بينهم . وكان أحدهم ينطلق إلى صاحبه فلا يستأذن حتى يقتحم ، ويقول : " قد دخلت " . فيشق ذلك على الرجل ، ولعله يكون مع أهله ، فغير الله ذلك كله ، في ستر وعفة ، وجعله نقيا نزها من الدنس والقذر والدرن ، فقال : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) .
وهذا الذي قاله مقاتل حسن; ولهذا قال : ( ذلكم خير لكم ) يعني : الاستئذان خير لكم ، بمعنى : هو خير للطرفين : للمستأذن ولأهل البيت ، ( . لعلكم تذكرون ) .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
يرشد الباري عباده المؤمنين، أن لا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم بغير استئذان، فإن في ذلك عدة مفاسد: منها ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال " إنما جعل الاستئذان من أجل البصر " فبسبب الإخلال به، يقع البصر على العورات التي داخل البيوت، فإن البيت للإنسان في ستر عورة ما وراءه، بمنزلة الثوب في ستر عورة جسده.
ومنها: أن ذلك يوجب الريبة من الداخل، ويتهم بالشر سرقة أو غيرها، لأن الدخول خفية، يدل على الشر، ومنع الله المؤمنين من دخول غير بيوتهم حَتَّى يَسْتَأْنِسُوا أي: يستأذنوا. سمي الاستئذان استئناسا، لأن به يحصل الاستئناس، وبعدمه تحصل الوحشة، { وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا } وصفة ذلك، ما جاء في الحديث: " السلام عليكم، أأدخل "؟
{ ذَلِكُمْ } أي: الاستئذان المذكور { خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } لاشتماله على عدة مصالح، وهو من مكارم الأخلاق الواجبة، فإن أذن، دخل المستأذن.
تفسير البغوي
قوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون ) قيل : معنى قوله : ( حتى تستأنسوا ) أي : حتى تستأذنوا [ وكان ابن عباس يقرأ حتى تستأذنوا ] ويقول : تستأنسوا خطأ من الكاتب . وكذلك كان يقرأ أبي ابن كعب ، والقراءة المعروفة تستأنسوا وهو بمعنى الاستئذان . وقيل : الاستئناس طلب الأنس ، وهو أن ينظر هل في البيت إنسان فيؤذنهم إني داخل . وقال الخليل : الاستئناس الاستبصار من قوله : آنست نارا ، أي : أبصرت . وقيل : هو أن يتكلم بتسبيحة أو تكبيرة أو يتنحنح ، يؤذن أهل البيت .
وجملة حكم الآية : أنه لا يدخل بيت الغير إلا بعد السلام والاستئذان . واختلفوا في أنه يقدم الاستئذان أم السلام ؟ فقال قوم : يقدم الاستئذان فيقول : أأدخل سلام عليكم ، لقوله تعالى : ( حتى تستأنسوا ) أي : تستأذنوا ، ( وتسلموا على أهلها ) والأكثرون على أنه يقدم السلام فيقول : سلام عليكم أأدخل . وفي الآية تقديم وتأخير تقديرها : حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا . وكذلك هو في مصحف عبد الله بن مسعود . وروي عن كلدة بن حنبل قال : دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم أسلم ولم أستأذن ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ارجع فقل : السلام عليكم أأدخل .
وروي عن ابن عمر أن رجلا استأذن عليه فقال : أأدخل ؟ فقال ابن عمر : لا فأمر بعضهم الرجل أن يسلم فسلم فأذن له .
وقال بعضهم : إن وقع بصره على إنسان قدم السلام ، وإلا قدم الاستئذان ، ثم سلم ، وقال أبو موسى الأشعري وحذيفة : يستأذن على ذوات المحارم ، ومثله عن الحسن ، وإن كانوا في دار واحدة يتنحنح ويتحرك أدنى حركة .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد عبد الله بن بشران ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن سعيد الجريري ، عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال : سلم عبد الله بن قيس على عمر بن الخطاب ثلاث مرات فلم يأذن له فرجع فأرسل عمر في أثره فقال : لم رجعت ؟ قال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إذا سلم أحدكم ثلاثا فلم يجب فليرجع " . قال عمر : لتأتين على ما تقول ببينة وإلا لأفعلن بك كذا وكذا غير أنه قد أوعده ، قال : فجاء أبو موسى الأشعري ممتقعا لونه وأنا في حلقة جالس ، فقلنا : ما شأنك ؟ فقال : سلمت على عمر ، فأخبرنا خبره ، فهل سمع أحد منكم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالوا : نعم كلنا قد سمعه ، قال فأرسلوا معه رجلا منهم حتى أتى عمر فأخبره بذلك .
ورواه بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري ، وفيه : قال أبو موسى الأشعري : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع " . قال الحسن : الأول إعلام والثاني مؤامرة ، والثالث استئذان بالرجوع .
الإعراب:
(غَيْرَ) صفة لبيوتا (بُيُوتِكُمْ) مضاف إليه والكاف مضاف إليه (حَتَّى) حرف غاية وجر (تَسْتَأْنِسُوا) مضارع منصوب بأن المضمرة بعد حتى وعلامة نصبه حذف النون والواو فاعل وحرف الجر وما بعده في تأويل مصدر متعلقان بتدخلوا (وَتُسَلِّمُوا) معطوف على تدخلوا وإعرابها مثله (عَلى أَهْلِها) متعلقان بتسلموا والهاء مضاف إليه (ذلِكُمْ) اسم الإشارة مبتدأ واللام للبعد والكاف للخطاب.
(خَيْرٌ) خبر (لَكُمْ) متعلقان بالخبر والجملة مستأنفة (لَعَلَّكُمْ) لعل واسمها والجملة حال (تَذَكَّرُونَ) مضارع والواو فاعل والجملة خبر