المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الكهف: [الآية 16]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة الكهف | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)
ما تميز العالم إلا بالمراتب ، وما شرف بعضه على بعضه إلا بها ، ومن علم أن الشرف للرتب لا لعينه لم يغالط نفسه في أنه أشرف من غيره ، وإن كان يقول إن هذه الرتبة أشرف من هذه الرتبة ، ولما كانت الخلافة ربوبية في الظاهر لأنه يظهر بحكم الملك ، فيتصرف في الملك بصفات سيده ظاهرا ، وإن كانت عبوديته له مشهودة في باطنه ، فلم تعم عبوديته عند رعيته الذين هم أتباعه ، وظهر ملكه بهم وباتباعهم والأخذ عنه ، فكان في مجاورتهم بالظاهر أقرب ، وبذلك المقدار يستتر من عبوديته ، لذلك كثيرا ما ينزل في الوحي على الأنبياء «قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» فكانت هذه الآية دواء لهذه العلة ، وبهذا المقدار كانت أحوال الأنبياء والرسل في الدنيا البكاء والنوح ، فإنه موضع تتقى فتنته ، فقال الكامل صلّى اللّه عليه وسلم: «إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» عن أمر اللّه ، قيل له : قل ، فقال ، وبهذا علمنا أنه عن أمر اللّه ، لأنه نقل الأمر إلينا كما نقل المأمور ، وكان هذا القول دواء للمرض الذي قام بمن عبد عيسى عليه السلام من أمته ، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول لنا كثيرا في هذا المقام في حق نفسه وتعليما لنا «إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» فلم ير لنفسه فضلا علينا ، أي حكم البشرية فيّ حكمها فيكم ،
[إشارة: لم أمر الحق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أن يقول " قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ " ]
فكان ذلك من التأديب الإلهي الذي أدب اللّه تعالى به نبيه عليه السلام فيما أوحى به إليه ،
فقال صلّى اللّه عليه وسلم : [ إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر ]
يعني لنفسه ولحق غيره ، [ وأرضى كما يرضى البشر ]
يعني لنفسه ولغيره ، ويعني أن أغضب عليهم وأرضى لنفسي [ اللهم من دعوت عليه فاجعل دعائي عليه رحمة له ورضوانا ]
ثم ذكر المرتبة وهو قوله «يُوحى إِلَيَّ» ولما كان صلّى اللّه عليه وسلم لم تؤثر فيه المراتب إذا نالها ، قال وهو في المرتبة العليا [ أنا سيد الناس ]
وفي رواية [ أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ] فنفى أن يقصد بذلك الفخر ، لأنه ذكر الرتبة التي لها الفخر الذي هو صلّى اللّه عليه وسلم مترجم عنها وناطق بلسانها ، فذكر رتبة الشفاعة والمقام المحمود ، فالفخر للرتبة ولا فخر بالذات إلا للّه وحده ، فلم تحكم فيه المرتبة ، وقال في كل وقت وهو في مرتبة الرسالة والخلافة
" إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ "، فلم تحجبه المرتبة عن معرفة نشأته ، وسبب ذلك أنه رأى لطيفته ناظرة إلى مركبها العنصري وهو متبدد فيها ، فشاهد ذاته العنصرية ، فعلم أنها تحت قوة الأفلاك العلوية ، ورأى المشاركة بينها وبين سائر الخلق الإنساني والحيواني والنبات والمعادن ، فلم ير لنفسه من حيث نشأته العنصرية فضلا على كل من تولد منها ، وأنه مثل لهم وهم أمثال له ، فقال : «إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» ثم رأى افتقاره إلى ما تقوم به نشأته من الغذاء الطبيعي كسائر المخلوقات الطبيعية ،
فعرف نفسه فقال:
[ يا أبا بكر ما أخرجك ، قال : الجوع ، قال : وأنا أخرجني الجوع ] فكشف عن حجرين قد وضعهما على بطنه يشد بهما أمعاءه -إشارة- كان عليه السلام نائب الحق ، فهو وجهه في العالم ، فكان الحق يقول له : «قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» أي استتر بعبوديتك ،
ولا تظهر مكانتك عندي . واعلم أن جميع ما سوى اللّه يمكن حصرهم في الأجناس الآتية ،
وهم الملك والفلك والكوكب والطبيعة والعنصر والمعدن والنبات والحيوان والإنسان ،
وما من صنف ذكرناه من هؤلاء الأصناف إلا وقد عبد منهم أشخاص ،
فمنهم من عبد الملائكة ، ومنهم من عبد الكواكب ، ومنهم من عبد الأفلاك ،
ومنهم من عبد العناصر ، ومنهم من عبد الأحجار ،
ومنهم من عبد الأشجار ، ومنهم من عبد الحيوان ، ومنهم من عبد الجن والإنس ، فالمخلص في العبادة التي هي ذاتية له أن لا يقصد إلا من أوجده وخلقه ،
وهو اللّه تعالى ، فتخلص له هذه العبادة ولا يعامل بها أحدا ممن ذكرناه ، أي لا يراه في شيء فيذل له ، واعلم أنه ما من شيء في الكون إلا وفيه ضرر ونفع ، فاستجلب بهذه الصفة الإلهية
نفوس المحتاجين إليه لافتقارهم إلى المنفعة ودفع المضار ، فأداهم ذلك إلى عبادة الأشياء وإن لم يشعروا ، ولما علم اللّه ما أودعه في خلقه ، وما جعل في الثقلين من الحاجة إلى ما أودع اللّه في الموجودات وفي الناس بعضهم إلى بعض قال : «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ»
فذكر لقاء اللّه ليدل على حالة الرضى من غير احتمال ، كما ذكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وذلك في الجنة ، فإنها دار الرضوان ،
فما كل من لقي اللّه سعيد «فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً» أي لا يشوبه فساد ، والصالح الذي لا يدخله خلل ، فإن ظهر فيه خلل فليس بصالح ، وليس الخلل في العمل وعدم الصلاح فيه إلا الشرك ، فقال : «وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» أي لا يذل إلا اللّه لا لغيره ،
لأنه إذا لم ير شيئا سوى اللّه وأنه الواضع أسباب المضار والمنافع ، لجأ إلى اللّه في دفع ما يضره ونيل ما ينفعه من غير تعيين سبب ، ونكر «أَحَداً» فدخل تحته كل شيء له أحدية ، وعم كل ما ينطلق عليه اسم أحد ، وهو كل شيء في عالم الخلق والأمر ،
وعم الشرك الأصغر ، وهو الشرك الذي في العموم ، وهو الربوبية المستورة المنتهكة ، في مثل فعلت وصنعت وفعل فلان ولولا فلان ، فهذا هو الشرك المغفور ، فإنك إذا راجعت أصحاب هذا القول فيه رجعوا إلى اللّه تعالى ،
والشرك الذي في الخصوص ، فهم الذين يجعلون مع اللّه إلها آخر ، وهو الظلم العظيم ،
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : [ إن اللّه إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية ، فأول من يدعى به رجل جمع القرآن ورجل قتل في سبيل اللّه ورجل كثير المال ، فيقول اللّه للقارئ : ألم أعلمك ما أنزلته على رسولي ؟
قال : بلى يا رب ، قال : فما ذا عملت فيما علمت ؟ قال : كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار ، فيقول اللّه له : كذبت ، وتقول الملائكة له : كذبت ،
ويقول اللّه : إنما قرأت ليقال فلان قارئ فقد قيل ذلك ، ويؤتى بصاحب المال فيقول اللّه له : ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ قال : بلى يا رب ، قال : فما ذا عملت فيما آتيتك ؟
قال : كنت أصل الرحم وأتصدق ، فيقول اللّه له : كذبت ، وتقول له الملائكة : كذبت ،
ويقول اللّه له : بل أردت أن يقال فلان جواد فقيل ذلك ، ويؤتى بالذي قتل في سبيل اللّه فيقول اللّه : فيما ذا قتلت ؟
فيقول : أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت ، فيقول اللّه له : كذبت ، وتقول له الملائكة : كذبت ، ويقول اللّه له : بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذلك ، ثم ضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم على ركبة أبي هريرة وقال يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول من يسعر
بهم النار يوم القيامة ]
فكان أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث يغشى عليه ،
يقول اللّه تعالى :" فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً "
وجاء في الحديث الغريب الصحيح [ من عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء وهو للذي أشرك ] فنكر تعالى العمل وما خص عملا من عمل ، والضمير في فيه يعود على العمل ، والضمير في منه يعود على الغير الذي هو الشريك ، وضمير هو يعود على المشرك - تحقيق إخلاص العمل للّه من الشرك
[ - الإخلاص في العمل ]
-الإخلاص في العمل -هو أن تقف كشفا على أن العامل ذلك العمل هو اللّه ، كما هو في نفس الأمر ، أي عمل كان ذلك العمل ، مذموما أو محمودا أو ما كان ، فذلك حكم اللّه تعالى فيه ما هو عين العمل ، لذلك فإن اللّه لا يتبرأ من العمل فإنه العامل بلا شك ، فإخلاص العمل للّه هو نصيب اللّه من العمل ، لأن الصورة الظاهرة في العمل إنما هي في الشخص الذي أظهر اللّه فيه عمله ، فيلتبس الأمر للصورة الظاهرة ، والصورة الظاهرة لا تشك أن العمل بالشهود ظاهر منها ، فهي إضافة صحيحة ، فإن البصر لا يقع إلا على آلة وهي مصرّفة لأمر آخر ، لا يقع الحس الظاهر عليه ، بدليل الموت ووجود الآلة وسلب العمل ، فإذن الآلة ما هي العامل ، والحس ما أدرك إلا الآلة ، فكما علم الحاكم أن وراء المحسوس أمرا هو العامل بهذه الآلة والمصرف لها ، المعبر عنه عند علماء النظر العقلي بالنفس العاملة الناطقة والحيوانية ، فقد انتقلوا إلى معنى ليس هو من مدركات الحس ،
فكذلك إدراك أهل الكشف والشهود - في الجمع والوجود - في النفس الناطقة ما أدرك أهل النظر في الآلة المحسوسة سواء ، فعرفوا أن ما وراء النفس الناطقة هو العامل ، وهو مسمى اللّه ، فالنفس في هذا العمل كالآلة المحسوسة سواء ، ومتى لم يدرك هذا الإدراك فلا يتصف عندنا بأنه أخلص في عمله جملة واحدة ، مع ثبوت الآلات وتصرفها لظهور صورة العمل من العامل ،
فالعالم كله آلات الحق فيما يصدر عنه من الأفعال ،
قال صلّى اللّه عليه وسلم فيما صح عنه : [ أتدرون ما حق اللّه على العباد ، قالو :اللّه ورسوله أعلم ، قال : إن حق اللّه على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، ثم قال : أتدرون ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك ، أن يدخلهم الجنة ]
فنكر صلّى اللّه عليه وسلم بقوله شيئا ليدخل فيه جميع الأشياء ، وهو قوله تعالى «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً "
- وجه آخر -في تفسير قوله تعالى في هذه الآية ،
كأنه تعالى يقول : إن الحق لا يعبد من حيث أحديته ، لأن الأحدية تنافي وجود العابد ، فكأنه يقول : لا يعبد إلا الرب من حيث ربوبيته ، فإن الرب أوجدك ، فتعلق به وتذلل له ولا تشرك الأحدية مع الربوبية في العبادة ، فتتذلل لها كما تتذلل للربوبية ،
فإن الأحدية لا تعرفك ولا تقبلك ، فيكون تعبد في غير معبد ، وتطمع في غير مطمع ، وتعمل في غير معمل ، وهي عبادة الجاهل ، فنفى عبادة العابدين من التعلق بالأحدية ، فإن الأحدية لا تثبت إلا للّه مطلقا ، وإنما ما سوى اللّه فلا أحدية له مطلقا ،
فهذا هو المفهوم من هذه الآية عندنا من حيث طريقنا في تفسير القرآن ، ويأخذ أهل الرسوم في ذلك قسطهم أيضا تفسيرا للمعنى ، فيحملون الأحد المذكور على ما اتخذوه من الشركاء ، وهو تفسير صحيح أيضا ، فالقرآن هو البحر الذي لا ساحل له ، إذ كان المنسوب إليه يقصد به جميع ما يطلبه الكلام من المعاني بخلاف كلام المخلوقين .
(19) سورة مريم مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(110) الفتوحات ج 3 / 225 ، 50 - ج 1 / 664 - ج 3 / 225 ، 191 ، 337 ، 23 ، 225 ، 23 - كتاب النجاة - كتاب المشاهد - الفتوحات ج 2 / 221">221 - ج 3 / 478 ، 355 - ج 1 / 221">221 - ج 3 / 478 ، 355 - ج 4 / 536 - ج 2 / 221">221 - ج 3 / 477 - ح2 / 581تفسير ابن كثير:
فلما وقع عزمهم على الذهاب والهرب من قومهم ، واختار الله تعالى لهم ذلك ، وأخبر عنهم بذلك في قوله : ( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله ) أي : وإذا فارقتموهم وخالفتموهم بأديانكم في عبادتهم غير الله ، ففارقوهم أيضا بأبدانكم ( فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ) أي : يبسط عليكم رحمة يستركم بها من قومكم ( ويهيئ لكم من أمركم ) [ أي ] الذي أنتم فيه ، ( مرفقا ) أي : أمرا ترتفقون به . فعند ذلك خرجوا هرابا إلى الكهف ، فأووا إليه ، ففقدهم قومهم من بين أظهرهم ، وتطلبهم الملك فيقال : إنه لم يظفر بهم ، وعمى الله عليه خبرهم . كما فعل بنبيه [ محمد ] صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق ، حين لجأ إلى غار ثور ، وجاء المشركون من قريش في الطلب ، فلم يهتدوا إليه مع أنهم يمرون عليه ، وعندها قال النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى جزع الصديق في قوله : يا رسول الله ، لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لأبصرنا ، فقال : " يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ " ، وقد قال تعالى : ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم ) [ التوبة : 40 ] فقصة هذا الغار أشرف وأجل وأعظم وأعجب من قصة أصحاب الكهف ، وقد قيل : إن قومهم ظفروا بهم ، وقفوا على باب الغار الذي دخلوه ، فقالوا : ما كنا نريد منهم من العقوبة أكثر مما فعلوا بأنفسهم . فأمر الملك بردم بابه عليهم ليهلكوا مكانهم ففعل [ لهم ] ذلك . وفي هذا نظر ، والله أعلم ؛ فإن الله تعالى قد أخبر أن الشمس تدخل عليهم في الكهف بكرة وعشية ، كما قال تعالى :
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
أي: قال بعضهم لبعض، إذ حصل لكم اعتزال قومكم في أجسامكم وأديانكم، فلم يبق إلا النجاء من شرهم، والتسبب بالأسباب المفضية لذلك، لأنهم لا سبيل لهم إلى قتالهم، ولا بقائهم بين أظهرهم، وهم على غير دينهم، { فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ } أي: انضموا إليه واختفوا فيه { يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا } وفيما تقدم، أخبر أنهم دعوه بقولهم { ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا } فجمعوا بين التبري من حولهم وقوتهم، والالتجاء إلى الله في صلاح أمرهم، ودعائه بذلك، وبين الثقة بالله أنه سيفعل ذلك، لا جرم أن الله نشر لهم من رحمته، وهيأ لهم من أمرهم مرفقا، فحفظ أديانهم وأبدانهم، وجعلهم من آياته على خلقه، ونشر لهم من الثناء الحسن، ما هو من رحمته بهم، ويسر لهم كل سبب، حتى المحل الذي ناموا فيه، كان على غاية ما يمكن من الصيانة
تفسير البغوي
ثم قال بعضهم لبعض : ( وإذ اعتزلتموهم ) يعني قومهم ( وما يعبدون إلا الله ) قرأ ابن مسعود " وما يعبدون من دون الله " وأما القراءة المعروفة فمعناها أنهم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه الأوثان يقولون : وإذ : اعتزلتموهم وجميع ما يعبدون إلا الله فإنكم لم تعتزلوا عبادته ( فأووا إلى الكهف ) فالجأوا إليه ( ينشر لكم ) يبسط لكم ( ربكم من رحمته ويهيئ لكم ) يسهل لكم ( من أمركم مرفقا ) أي : ما يعود إليه يسركم ورفقكم قرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر " مرفقا " بفتح الميم وكسر الفاء وقرأ الآخرون بكسر الميم وفتح الفاء ومعناهما واحد ، وهو ما يرتفق به الإنسان .
الإعراب:
(وَإِذِ) الواو استئنافية إذ ظرف زمان متعلق بفعل محذوف تقديره اذكر (اعْتَزَلْتُمُوهُمْ) ماض وفاعله ومفعوله والجملة مضاف إليها (وَما) الواو عاطفة وما موصولية (يَعْبُدُونَ) مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة معطوفة (إِلَّا) أداة حصر (اللَّهَ) لفظ الجلالة مفعول به (فَأْوُوا) الفاء الفصيحة وفعل أمر وفاعله والجملة لا محل لها (إِلَى الْكَهْفِ) متعلقان بأووا (يَنْشُرْ) مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب (لَكُمْ) متعلقان بينشر (رَبُّكُمْ) فاعل والكاف مضاف إليه (مِنْ رَحْمَتِهِ) متعلقان بينشر والهاء مضاف إليه (وَيُهَيِّئْ) معطوف على ينشر (لَكُمْ) متعلقان بيهيء (مِنْ أَمْرِكُمْ) متعلقان بمحذوف حال والكاف مضاف إليه (مِرفَقاً) مفعول به.