المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الإسراء: [الآية 38]
سورة الإسراء | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111)
أمرك الحق في هذه الآية أن تكبره تكبيرا عن الولد والشريك والولي ، فإذا كبرت ربك فقيّده في ذلك بما قيده الحق ، ولا تطلق فيفتك خير كثير وعلم كبير ، فتكبيرك للحق عن أن يتخذ ولدا ، فإن الولد للوالد ليس بمتخذ ، لأنه لا عمل له فيه على الحقيقة ، وإنما وضع ماء في رحم صاحبته ، وتولى إيجاد عين الولد سبب آخر ، والمتخذ الولد إنما هو المتبني ،
[ «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً» ]
فقال تعالى لنا «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً» لأنه لو اتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء ، فكان يتبنى ما شاء ، فما فعل فعل من لم يتخذ ولدا ،
وقوله تعالى (لَمْ يَلِدْ)
ذلك ولد الصلب ، فليس له تعالى ولد ولا تبنى أحدا ، فنفى عنه الولد من الجهتين ، لما ادعت طائفة من اليهود والنصارى أنهم أبناء اللّه ، وأرادوا التبني ، فإنهم عالمون بآبائهم ، وقالوا في المسيح : إنه ابن اللّه ، إذ لم يعرفوا له أبا ولا تكوّن عن أب «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ» وقيد تعالى التكبير عن الشريك في الملك لا في الإيجاد ، لأن اللّه تعالى أوجد الأشياء على ضربين : ضرب أوجده بوجود أسبابه ، وضرب أوجده بلا سبب ، وهو إيجاد أعيان الأسباب الأول ، ولما كان السبب من الملك لم يثبت الشريك في الملك ، ولهذا قيد التكبير عن الشريك في الملك ، وهو كل ما سوى اللّه ، وقد ثبت شرعا وعقلا أن اللّه تعالى أحدي المرتبة ، فلا إله إلا هو وحده لا شريك له في الملك ، فما هو مثل الشريك في الملك ، فإن ذلك منفي على الإطلاق ، لأنه في نفس الأمر منفي العين «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ» أي ناصر من أجل الذل ، فإن الولي موجود العين ، وهو ينصر اللّه ابتغاء القربة إليه والتحبب ، عسى يصطفيه ويدنيه ، لا لذل ناله فينصره على من أذله ، أو ينصره لضعفه تعالى ، فأمرنا أن نكبره أن يكون له ولي من الذل ، فقيد بقوله تعالى «مِنَ الذُّلِّ»
لأنه تعالى يقول : (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) فما نصرناه من ذل وهو سبحانه الناصر ،
وقد قال تعالى : (كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ) والناصر هو الولي ، فلهذا قيده ، فإذا كبرته عن الولي فاعلم عن أي ولي تكبره «وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً» عن هذين الوصفين ، فإذا كبرت ربك فكبره كما كبر نفسه ، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، وهم الذين يكبرونه عما لم يكبر نفسه ، في قوله : يفرح بتوبة عبده ، ويتبشش إلى من جاء إلى بيته ، ويباهي ملائكته بأهل الموقف ،
ويقول : جعت فلم تطعمني ، فأنزل نفسه منزلة عبده ، فإن كبرته بأن تنزهه عن هذه المواطن فلم تكبره بتكبيره ، بل أكذبته ، فهؤلاء هم الظالمون على الحقيقة ، فليس تكبيره إلا ما يكبر به نفسه ، فقف عند حدّك ولا تحكم على ربك بعقلك - بحث في الحمد - قال اللّه تعالى آمرا «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ»
اعلم أن الحمد والمحامد هي عواقب الثناء ، ولهذا يكون آخرا في الأمور ، كما ورد أن آخر دعواهم أن الحمد للّه رب العالمين ،
وقوله صلّى اللّه عليه وسلم في الحمد : إنها تملأ الميزان ، أي هي آخر ما يجعل في الميزان ، وذلك لأن التحميد يأتي عقيب الأمور ،
ففي السراء يقول : [ الحمد للّه المنعم المفضل ]
وفي الضراء يقال : [ الحمد للّه على كل حال ] والحمد هو الثناء على اللّه ، وهو على قسمين ، ثناء عليه بما هو له ، كالثناء بالتسبيح
والتكبير والتهليل ، وثناء عليه بما يكون منه ، وهو الشكر على ما أسبغ من الآلاء والنعم ، وله العواقب فإن مرجع الحمد ليس إلا إلى اللّه ، فإنه المثني على العبد والمثنى عليه ، وهو قوله صلّى اللّه عليه وسلم : [ أنت كما أثنيت على نفسك ] وهو الذي أثنى به العبد عليه ، فرد الثناء له من كونه مثنيا اسم فاعل ومن كونه مثنيا عليه اسم مفعول ، فعاقبة الحمد في الأمرين له تعالى ،
وتقسيم آخر : وهو أن الحمد يرد من اللّه مطلقا ومقيدا في اللفظ ، وإن كان مقيدا بالحال فإنه لا يصح في الوجود الإطلاق فيه ، لأنه لا بد من باعث على الحمد ، وذلك الباعث هو الذي قيده وإن لم يتقيد لفظا ، كأمره في قوله تعالى «وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ» فلم يقيد ، وأما المقيد فلا بد أن يكون مقيدا بصفة فعل كقوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ)
وكقوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) و (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ) وقد يكون مقيدا بصفة تنزيه كقوله : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً» واعلم أن الحمد لما كان يعطي المزيد للحامد ، علمنا أن الحمد بكل وجه شكر ، لأنه ثناء على اللّه ، ولا نحمده تعالى إلا بما أعلمنا أن نحمده به ، فحمده مبناه على التوقيف ، وقد خالفنا في ذلك جماعة من علماء الرسوم ، فإن التلفظ بالحمد على جهة القربة لا يصح إلا من جهة الشرع
- مسألة -قوله تعالى" وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ " على هذه المسألة تبتني مسألة : العبد هل يملك أم لا يملك ؟
فمن رأى شركة الأسباب التي لا يمكن وجود المسببات إلا بها لم يثبت الشريك في الملك ، لأن السبب من الملك ، وهو كالآلة ، والآلة يوجد بها ما هو ملك للموجد ، كما هي الآلة ملك للموجد ، وما تملك الآلة شيئا ، فنفى الشريك في الملك لا في الإيجاد ، فيضاف التابوت إلى النجار من كونه صنعة لصانعه - ولم يصنع إلا بالآلة ،
ثم ثمّ إضافة أخرى ، وهو إن كان النجار صنع في حق نفسه أضيف التابوت إليه لأنه ملكه ، وإن كان الخشب لغيره فالتابوت من حيث صنعته يضاف إلى النجار ومن حيث الملك يضاف للمالك لا إلى النجار ، فالنجار آلة للمالك ، واللّه ما نفى إلا الشريك في الملك لا الشريك في الصنعة .
------------
(111) الفتوحات ج 2 / 404 ، 405 - ج 3 / 483 - ج 2 / 405 - ج 4 / 96تفسير ابن كثير:
وقوله تعالى : ( كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ) أما من قرأ سيئة أي : فاحشة فمعناه عنده كل هذا الذي نهينا عنه من قوله : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ) إلى هاهنا فهو سيئة مؤاخذ عليها ( مكروها ) عند الله لا يحبه ولا يرضاه
وأما من قرأ ( سيئه ) على الإضافة فمعناه عنده كل هذا الذي ذكرناه من قوله ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) إلى هاهنا فسيئه أي فقبيحه مكروه عند الله هكذا وجه ذلك ابن جرير رحمه الله .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
{ كُلُّ ذَلِكَ } المذكور الذي نهى الله عنه فيما تقدم من قوله: { وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ } والنهي عن عقوق الوالدين وما عطف على ذلك { كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا } أي: كل ذلك يسوء العاملين ويضرهم والله تعالى يكرهه ويأباه.
تفسير البغوي
كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ( قرأ ابن عامر وأهل الكوفة : برفع الهمزة وضم الهاء على الإضافة ومعناه : كل الذي ذكرنا من قوله : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ( كان سيئه ) أي : سيئ ما عددنا عليك عند ربك مكروها; لأنه قد عد أمورا حسنة كقوله : ( وآت ذا القربى حقه ( واخفض لهما جناح الذل ( وغير ذلك .
وقرأ الآخرون : " سيئة " منصوبة منونة يعني : كل الذي ذكرنا من قوله : ( ولا تقتلوا أولادكم ( إلى هذا الموضع سيئة لا حسنة فيه إذ الكل يرجع إلى المنهي عنه دون غيره ولم يقل مكروهة لأن فيه تقديما وتأخيرا وتقديره : كل ذلك كان مكروها سيئة . [ وقوله ( مكروها ( على التكرير لا على الصفة مجازه : كل ذلك كان سيئة وكان مكروها ] أو رجع إلى المعنى دون اللفظ لأن السيئة الذنب وهو مذكر .
الإعراب:
(كُلُّ) مبتدأ والجملة مستأنفة (ذلِكَ) ذا اسم إشارة مضاف إليه واللام للبعد والكاف للخطاب (كانَ سَيِّئُهُ) كان واسمها والهاء مضاف إليه (عِنْدَ) ظرف مكان متعلق بالخبر والجملة خبر كل (رَبِّكَ) مضاف إليه والكاف في محل جر بالإضافة (مَكْرُوهاً) خبر كان.