المرتبة الثامنة عشر: الطبيعة المجردة
من مراتب الوجود ، هي الطبيعة المجردة على لباس الاستقصاءات والأركان التي خلق الله
تعالى العالم فيها ، وهذه الطبيعة للاستقصات كالمداد للحروف الرقمية وكالصوت للحروف
اللفظية ، ونعني بالاستقصات : الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ، بحكم انفراد كل
واحد منها عن الآخر ، وهذه الاستقصات للأركان كالطبيعة للاستقصات ، فالاستقصات
جميعها موجودة في كل ركن من الأركان ، لكن النار يغلب فيها استقصان وهما : الحرارة
واليبوسة ، والهواء يغلب عليه استقصان : وهما البرودة واليبوسة ، فمتى لبست الطبيعة
صورة استقصى من الاستقصات لا يمكن خلعها ، ومتى لبست الاستقصات صورة ركن من الأركان
لا يمكن خلعها ، ومتى لبست الأركان صورة من صور الموجودات العنصرية لا يمكن خلعها ،
فيبقى ذلك الموجود موجوداً بعد فناء ظاهره في الطبيعة يشاهدها المكاشف عياناً كما
كان يشاهدها الناس في الحس . وهذا الفلك الطبيعي واسع جداً خلق الله تعالى فيه
الجنة والنار والمحشر والبرزخ وجميع ما في الدنيا وما هو قبل خلق الدنيا مما علمنا
وما لا نعلمه من المخلوقات الطبيعية ، وظاهره المحسوس لنا اليوم هو العالم الدنياوي
وباطنه الغائب عنا هو العالم الأخراوي ، وقابلية البطون والظهور هو البرزخ وهو عالم
الخيال وعالم المثال ، وهو عالم السمسمة ، فنسخة الدنيا منك ظاهرك من الجوارح
وغيرها ، ونسخة البرزخ منك خيالك ، ونسخة الآخرة منك العالم الروحي وهو باطنك ، وقد
شرحنا أمر كونك نسخة للموجودات في كتابنا المسمى ( بقطب العجائب وفلك الغرائب ) .
والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب .