منزلة العلم بالله تعالى
الحمد لله الذي أعطى مراتب الوجود حقها على التمام والكمال ، فظهر فيها بما علمه
لها من الحسن والجمال والثبوت والزوال والميل والاعتدال ، فليس في الإمكان أكمل من
هذا الوجود النائل من الكمال كل مثال ، أحمده به على ماله من شيم المجد والجلال ،
حمد من تحقق ما لذاته من صنوف الوجوب والإمكان والمحال .وأشهد أن لا إله إلا الله
الكبير المتعال ، الظاهر بكل موجود بكماله من غير حلول ولا اتصال ولا انفصال ، ظهور
بلا كيف يصور العقل ويحيط به الخيال ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم :
مظهره الأعظم ومجلاه المحيط الأقدم ورسوله الختم الأكرم صلى الله عليه وسلم : وعلى
آله وصحبه طراز الوجود المعلم ، وشرف وعظم ومجد وكرم .أما بعد فإنّ أولى ما اعتنى
به العقلاء وعز ما صرف العمر في طلبه الفضلاء هو العلم بالله ، وإنه لكثرة اتساعه
وعظم شياعه لا يكاد المرء يبلغ من تداركه مقصوداً ولو كان بجميع الإمدادات ممدوداً
، وإن القوم المشار إليهم بهذا العلم رضوان الله عليهم ، إنما أخذوا منه طرفاً ، كل
على قدر قابليته وقبول الفيض المقدس والأقدس من حضرة التجلي ، والتحقق بحقيقة
الإنصاف والتحلي مع التأييد الإلهي بروح القدس لدى الإلقاء والتلقي ، حين أنهم مع
دوام النفحات وتواتر الخيرات لم يزالوا يطلبون العلم من بعضهم بعضاً ويسبحون في
الأرض للوقوع على رجل منهم ؛ ليفيدهم فيه مسألة طولاً وعرضاً ، ولهذا قال الجنيد
رضي الله عنه : ( لو علمت أن تحت أديم السماء علماً أشرف من علمنا هذا لرحلت إليه'
. تنبيهاً على شرف هذا العلم وأنه مما ينبغي للمريد أن يرحل إليه بل يجب عليه .