المرتبة الثانية: الوجود المطلق
من مراتب الوجود هي أول التنزلات الذاتية المعبر عنها بالتجلي الأول وبالأحدية
وبالوجود المطلق . وقد ألفنا لمعرفة الوجود المطلق كتاباً سميناه ( الوجود المطلق
المعرّف بالوجود الحق ) فمن أراد ذلك فيطالعه هناك ، وهذا التجلي الأحدي هو أيضاً
حقيقة صرافة الذات ، لكنه أنزل من المرتبة الأولى ، لأن الوجود متعين فيه للذات ،
والتجلي الأحدي العماء الأول يعلو عن مرتبة نسبة الوجود إليها ، وقد بينا سبب ذلك
ووجهه في كتابنا المسمى ب ( الكمالات الإلهية في الصفات المحمدية ) ، فمن أنكر
معرفة ذلك فليطالع هنا ، ولنقتصر هنا على ذكر نفس المرتبة إذ ليس الغرض من إنشاء
هذا الكتاب إلا جمع مراتب الوجود .وأعلم أن هذا التجلي الأحدي هو رابطة بين البطون
والظهور ، يعني يصلح أن يكون أمراً ثالثاً بين البطون والظهور كما نرى في الخط
الموهوم بين الظل والشمس ، ولهذا يسميه المحققون بالبرزخية الكبرى ، فالأحدية برزخ
بين البطون والظهور ، وذلك هو عبارة عن حقيقة الحقيقة المحمدية التي هي فلك الولاية
المعبر عنها بمقام قوسين أو أدنى ، وبالعلم المطلق ، وبالشأن الصرف ، وبالعشق
المجرد عن نسبة العاشق والمعشوق ، وكذلك قولهم فيه العلم المطلق ، يريدون به من غير
نسبة إلى العالم والمعلوم ، وقولهم فيه الوجود المطلق ، يريدون به من غير نسبة قدم
ولا حدوث . فافهم فذلك عبارة عن أحدية الجمع بإسقاط جميع الاعتبارات والنسب
والإضافات وبطون سائر الأسماء والصفات ، وقد يسميه بعضهم بمرتبة الهوية ، لأنها غيب
الأسماء والصفات في الشأن الثاني المخصوص بالذات .