المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

فصوص الحكم وخصوص الكلم
للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
![]() |
![]() |
عقولهم وروحانيتهم فإنها غيب. «وَ نَهاراً» دعاهم أيضاً من حيث ظاهر «1» صورهم وحِسِّهم، وما جمع في الدعوة مثل «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان فزادهم فراراً. ثم قال عن نفسه إنه «2» دعاهم ليغفر لهم «6»، لا ليكشف لهم، وفهموا ذلك منه صلى الله عليه وسلم. لذلك «جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ واسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ» وهذه كلها صورة الستر التي دعاهم إليها فأجابوا دعوته بالفعل لا بلبيك. ففي «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» إثبات المثل ونفيه، وبهذا قال عن نفسه صلى الله عليه وسلم إنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد صلى الله عليه وسلم قوَمه ليلًا ونهاراً، بل دعاهم ليلًا في نهار ونهاراً في ليل. فقال نوح في حكمته لقومه: «يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً» وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، «وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ» أي بما «3» يميل بكم إليه فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه. فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف. فلهذا انقسم الناس إلى غير عالِم وعالِم.
«وَ وَلَدُهُ» وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري. والأمر موقوف علمه على المشاهدة بعيد عن نتائج الفكر. «إِلَّا خَساراً، فما ربحت تجارتهم» فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم: وهو في المحمديِّين «وَ أَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ»، وفي نوح «أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا» فأثبت المُلْكَ لهم والوكالة الله فيهم. فهم مستخلفون فيه «4».
فالملك الله وهو وكيلهم، فالملك لهم وذلك ملك الاستخلاف. وبهذا كان الحق تعالى «5» مالك «6» الملك كما قال الترمذي «7» رحمه الله. «وَ مَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً»، لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعوِّ
(1) ب: ظواهر
(2) ا: إذ
(3) ب: م
(4) ا م ن: فيهم
(5) ب م ن: ساقطة
(6) ب: ملك.
![]() |
![]() |