المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

فصوص الحكم وخصوص الكلم
للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
![]() |
![]() |
وهي ميل إلى المراد الخاص دون غيره. والاعتدال يؤذن بالسواء في الجميع، وهذا ليس بواقع، فلهذا مَنَعْنَا «1» من حكم الاعتدال. وقد ورد في العلم الإلهي النبوي اتصاف الحق بالرضا والغضب، وبالصفات. والرضا مزيل للغضب، والغضب مزيل للرضا عن المرضي عنه والاعتدال أن يتساوى الرضا والغضب، فما غضب الغاضب على من غضب عليه وهو «2» عنه راض. فقد اتصف بأحد الحكمين في حقه وهو ميل. وما رضي الراضي عمن رضي عنه وهو غاضب عليه، فقد اتصف بأحد الحكمين في حقه وهو ميل. وإنما قلنا هذا من أجل من يرى أن أهل النار لا يَزَال غضب الله عليهم دائماً أبداً في زعمه «3». فما لهم حكم الرضا من الله، فَصَحَّ المقصود.
فإن كان كما قلنا مآل أهل النار إلى إزالة الآلام وإن سكنوا النار، فذلك رضا:
فزال الغضب لزوال الآلام «3»، إذا عين الألم عين الغضب إن فهمت. فمن غضب فقد تأذَّى، فلا يسعى في انتقام المغضوب عليه بإيلامه إلا ليجد الغاضب الراحة بذلك، فينتقل الألم الذي كان عنده إلى المغضوب عليه. والحق إذا أفردته عن العالم يتعالى علواً كبيراً عن هذه الصفة على هذا الحد. وإذا كان الحق هُوِيَّة العالم، فما ظهرت الأحكام كلها إلا منه وفيه، وهو قوله «وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» حقيقة وكشفاً «فَاعْبُدْهُ وتَوَكَّلْ عَلَيْهِ» حجاباً وستراً «4». فليس في الإمكان أبدع من هذا العالم لأنه على صورة الرحمن، أوجده الله أي ظهر «4» وجوده تعالى بظهور العالم كما ظهر الإنسان بوجود الصورة الطبيعية. فنحن صورته الظاهرة، وهويته روح هذه الصورة المدبرة لها.
فما كان التدبير إلا فيه كما لم يكن إلا منه. ف هُوَ «الْأَوَّلُ» بالمعنى «وَ الْآخِرُ» بالصورة
(1) ا: منعناه
(2) ا: فهو
(3) ن: الألم
(4) ا: أي ظهر وجوده، أي ظهر وجوده تعالى.
![]() |
![]() |