موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

معرض الصور

قراءة وشرح كتب الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

موقع القناة على اليوتيوب

13- فص حكمة ملكية في كلمة لوطية - من فصوص الحكم وخصوص الكلم للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

13- فص حكمة ملكية في كلمة لوطية - من فصوص الحكم وخصوص الكلم للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
المَلْكُ الشدة والمليك الشديد: يقال ملكت العجين إذا شددت عجينه.
قال قيس بن الحطيم‏ يصف طعنة:
ملكت بها كفي فانهرتُ فتقها ... يَرى قائمٌ من دونها ما وراءها
أي شددت بها كفي يعني الطعنة.
فهو قول اللَّه تعالى عن لوط عليه السلام‏ «لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً وآوِي إِلى‏ رُكْنٍ شَدِيدٍ».
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يرحم اللَّه أخى لوطاً: لقد كان يأوي إلى ركن شديد.
فنبه صلى اللَّه عليه وسلم أنه كان مع اللَّه من كونه شديداً.
والذي قصد لوط عليه السلام القبيلةُ بالركن الشديد: والمقاومة بقوله‏ «لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً» وهي الهمة هنا من البشر خاصة.
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فمن ذلك الوقت- يعني من الزمن الذي قال فيه عليه السلام‏ «أَوْ آوِي إِلى‏ رُكْنٍ شَدِيدٍ» ما بعث نبيٌ‏ بعد ذلك إلا في منعة من قومه، فكان يحميه قبيله‏ كأبي طالب مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
فقوله‏ «لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً» لكونه عليه السلام سمع اللَّه تعالى يقول‏ «اللَّهُ‏ الَّذِي‏ خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ» بالأصالة، "ثم جعل من بعد ضعف قوة" فعرضت القوة بالجعل فهي قوة عرضية، «ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْف وشَيْبَةً» فالجعل تعلق بالشيبة، وأما الضعف فهو رجوع إلى أصل خلقه وهو قوله‏ خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ‏، فرده‏ لما خلقه منه كما قال‏ «يُرَدُّ إِلى‏ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً».
فذكر أنه رُدَّ إلى الضعف الأول فحكم الشيخ حكم الطفل في الضعف.
وما بُعِثَ نبي إلا بعد تمام الأربعين وهو زمان أخذه في النقص والضعف.
فلهذا قال‏ «لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً» مع كون ذلك يطلب همة مؤثرة.
فإن قلت وما يمنعه من الهمة المؤثرة وهي موجودة في السالكين من الاتباع، والرسل أولَى بها؟
قلنا صدقت: ولكن نَقَصَكَ علم آخر، وذلك أن المعرفة لا تترك للهمة تصرفاً.
....
وهذه المعرفة تفرَّقهُ عن هذه الجمعية.
فيظهر العارف‏ التام المعرفة بغاية العجز والضعف.
قال بعض الأبدال للشيخ عبد الرزَّاق‏ رضي اللَّه عنه قل للشيخ أبي مدين بعد السلام عليه يا أبا مدين لم لا يعتاص علينا شي‏ء وأنت تعتاص عليك الأشياء: ونحن نرغب في مقامك وأنت لا ترغب في مقامنا؟
و كذلك كان مع كون أبي مدين رضي اللَّه عنه كان عنده ذلك المقام وغيره: ونحن أتم في مقام الضعف والعجز منه.
ومع هذا قال له هذا البدل ما قال. وهذا من ذلك القبيل أيضاً.
وقال صلى اللَّه عليه وسلم في هذا المقام عن أمر اللَّه له بذلك‏ «ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى‏ إِلَيَّ». فالرسول بحكم ما يوحى إليه به‏ ما عنده غير ذلك.
فإن أُوحِيَ إليه بالتصرف بجزم‏ تصرَّفَ: وإن منِعَ امتنع، وإن خُيِّر اختار ترْك‏ التصرف إلا أن يكون ناقص المعرفة.
قال أبو السعود لأصحابه المؤمنين به إن اللَّه أعطاني التصرف منذ خمس عشرة سنة وتركناه تظرفاً. هذا لسان إدْلال‏ .
وأما نحن فما تركناه تظرفاً- وهو تركه إيثاراً- وإنما تركناه لكمال المعرفة، فإن المعرفة لا تقتضيه بحكم الاختيار.
فمتى تصرف العارفُ بالهمة في العالم فعن أمر إلهي وجبر لا باختيار .
ولا نشك‏ أن مقام الرسالة يطلب التصرف لقبول الرسالة التي جاء بها، فيظهر عليه ما يصدقه عند أمته وقومه ليظهر دين اللَّه. والولي ليس كذلك.
ومع هذا فلا يطلبه الرسول في الظاهر لأن للرسول‏ الشفقة على قومه، فلا يريد أن يبالغ في ظهور الحجة عليهم، فإن في ذلك هلاكهم:
فيبقي عليهم. وقد علم الرسول أيضاً أن الأمر المعجز إذا ظهر للجماعة منهم من يؤمن عند ذلك ومنهم من يعرفه ويجحده ولا يظهر التصديق به ظلم وعلُوّ وحسداً، و منهم من يُلْحِق ذلك بالسِّحر والإبهام.
فلما رأت الرسل ذلك وأنه لا يؤمن إلا من‏ أنار اللَّه قلبه بنور الإيمان: ومتى لم ينظر الشخص بذلك النور المسمى إيماناً فلا ينفع في حقه الأمر المعجز.
فقصرت الهمم عن طلب الأمور المعجزة لما لم يعم أثرها في الناظرين ولا في قلوبهم كما قال في حق أكمل الرسل وأعلم الخلق وأصدقهم في الحال‏ «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ».
ولو كان للهمة أثر ولا بد، لم يكن أحد أكمل من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولا أعلى ولا أقوى همة منه، وما أثَّرتْ في إسلام أبي طالب عمِّه، وفيه نزلت الآية التي ذكرناها:
ولذلك قال في الرسول إنه ما عليه إلا البلاغ، وقال‏ «لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ ولكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ».
وزاد في سورة القصص‏ «وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» أي بالذين أعطوه العلم بهدايتهم في حال عدمهم بأعيانهم الثابتة.
فأثبت‏ أن العلم تابع للمعلوم. فمن كان مؤمناً في ثبوت عينه وحال عدمه ظهر بتلك الصورة في حال وجوده.
وقد علم اللَّه ذلك منه أنه هكذا يكون، فلذلك قال‏ «وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ».
فلما قال مثل هذا قال أيضاً «ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ» لأن قولي على حد علمي في خلقي، «وَ ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» أي ما قدَّرت عليهم الكفر الذي يشقيهم ثم طلبتهم بما ليس في وسعهم أن يأتوا به.
بل ما عاملناهم إلا بحسب ما علمناهم، وما علمناهم إلا بما أعطونا من نفوسهم مما هم عليه، فإن كان ظلم فهم الظالمون.
ولذلك‏ قال‏ «وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ».
فما ظلمهم اللَّه. كذلك ما قلنا لهم إلا ما أعطته ذاتنا أن نقول لهم، وذاتنا معلومة لنا بما هي عليه من أن نقول كذ ولا نقول كذا.
فما قلنألا ما علمنا أنَّا نقول. فَلَنا القول منا، ولهم الامتثال وعدم الامتثال مع السماع منهم‏
فالكل من ومنهم‏ ... والأخذ عن وعنهم‏
إن لا يكونون منا ... فنحن لا شك منهم
فتحقق يا ولي هذه الحكمة الملكية في‏ الكلمة اللوطية فإنها لباب المعرفة
فقد بان لك السر ... وقد اتضح الأمر
وقد أُدرج في الشفع‏ ... الذي‏ قيل هو الوتر

مقاطع مشابهة
مقاطع عشوائية من كتب مختلفة
كتب ورسائل أخرى


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!