موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الإسلام، وبدأ التصوف يأخذ شكلا منهجيا خرج في كثير من الأحيان عن روح الإسلام وتعاليمه.

ولكن لا بدّ من التأكيد على أن الانحراف لم يحصل فقط في التصوّف وإنما في تصرّف بعض المسلمين سواء كانوا ممكن ينتسبون إلى التصوّف أو لا، وبالتالي لا يمكن لهذا الانحراف أن ينسف قواعد التصوّف كما لا يمكن له أن ينسف قواعد الإسلام، فلا يجوز الحكم على المذهب من خلال بعض المنتسبين إليه، بل لا يجوز الحكم على المذهب ككل وإنما يُنظر إلى أسسه المختلفة ويحكم عليها من خلال مدى توافقها مع ما ثبت من الشريعة الإسلامية، فإن توافقت في كثير واختلفت في قليل حاولنا تعديل هذا القليل وتقويمه وإعادته إلى نصابه.

وقبل المضي في الحديث عن حركة التصوف في المغرب والأندلس في مرحلة ما قبل ابن العربي لا بد من التأكيد على وجود تشابه وتوافق طبيعي بين الأديان والفلسفات المختلفة نظرا لأنها تنبع كلها من معين واحد سواء كان سماويا عن طريق الرسل والأنبياء أو كان فلسفيا عن طريق المفكرين، فالكل يبحثون عن الحقيقة وكل واحد وصفها من منظاره، فلا يجوز بعد ذلك إن وجدنا فكرة أو معرفة مشابهة لمعتقد قديم ديني أو فلسفي أن نقول أن ذلك خارج على الإسلام، فالرسول صلّى الله عليه وسلّم بُعث ليتمم مكارم الأخلاق لا ليأتي بأخلاق مختلفة جذريا، والأخلاق هنا أمر عام ينطبق على المعرفة والأدب والعلم والفلسفة والعقيدة. وإن وجود التشابه بين عقيدة قديمة وعقيدة إسلامية لا يعني تناقضا أبدا، وكذلك لا يعني أن المسلمين أو الصوفية قد أخذوا هذه المعرفة المشتركة من الأديان أو العقائد السابقة، بل هي من الإسلام الذي يحوي فيما يحويه كل هذه العقائد السابقة الصحيحة، قبل أن يتم تحريفها بقصد أو بسبب طول الأمد. والشيخ محي الدين قد أصّل هذه الحقيقة من خلال مفهومه عن الوراثة النبوية، فبعض الأولياء تكون وراثتهم عيسوية، وبعضهم موسوية وبعضهم محمدية أو غير ذلك من الأنبياء، ولكن الكل في النهاية ينهلون من نبع الشريعة الإسلامية، كما سنرى ذلك في الفصل القادم.

وبالتالي فإننا لا يجوز أن ننساق وراء أفكار بعض المستشرقين الذين قالوا، وتبعهم في ذلك العديد من الباحثين المسلمين، أن التصوّف (ونقصد التصوّف الصافي) استمدّ من منابع الديانات السابقة كالزرادشتية الفارسية والمذاهب الهندية والنصرانية والفلسفات القديمة مثل الأفلاطونية الحديثة، ثم اختلطت هذه العناصر كلها ببعض فكانت نزعات مختلفة، وطرق مختلفة على مدى العصور، كما قال أحمد أمين في "ظُهر الإسلام".[1]

وكما قلنا فإن هذا الرأي قال به بعض المستشرقين مثل "آدم ميتز" الذي قال إن المسلمين أحسوا في أعماق نفوسهم بحاجات جديدة منذ القرن الثالث الهجري وسرعان ما تقدمت لسدّ هذه الحاجات الديانات القديمة التي كانت مستترة ولا سيما النصرانية، وهي الفلسفة اليونانية المشربة بالنصرانية، وقد ضرب أمثلة على ذلك فقال إن الحارث بن أسد المحاربي (توفي 243/858) تأثر بالنصرانية، لوجود



[1] ظُهر الإسلام، أحمد أمين، مكتبة النهضة المصري-القاهرة، 1982: ج2ص58.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!