موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


فأَجدُني عبداً لَكَ عَلَى كُلّ حالٍ، فَتوَلَّني بأَحوَالي فَأَنْت أَوْلى بِي مِنّي، كَيْفَ أَقْصُدُكَ وَأَنْت وَراءَ القَصْدِ، أَمْ كَيْفَ أَطلُبُكَ وَالطَّلَبُ عينُ البُعْدِ، أَيُطْلَبُ مَنْ هُوَ قَريبٌ حاضرٌ! أَمْ يُقصدُ مَنِ القَاصِدُ فِيهِ تائِهٌ حائِرٌ! الطَّلَبُ لاَ يُوصلُ إِلَيْكَ، وَالقَصْدُ لاَ يَصدُقُ عَلَيْكَ، تجلّيَاتُ ظاهرِكَ لاَ تُلْحقُ وَلاَ تُدْركَ، وَرموزُ أَسرارِكَ لاَ تنْحَلُّ وَلاَ تنْفَكَ، أَيَعْلَمُ الموجودُ كُنْهَ مَنْ أَوجَدَهُ! أَمْ يَبلغُ العبدُ حقيقَةَ مَنِ اسْتعْبَدَهُ! الطَّلَبُ وَالقَصْدُ وَالقُرْبُ وَالبُعْدُ مِنْ صفات العبدِ، وَمَاذَا يُدركُ العبدُ بِصفاتِهِ ممّنْ هُوَ مُنزَّهٌ متعالٍ فِي عُلُوِّ ذَاتِهِ! فَكُلُّ مخلوقٍ محلُّهُ العجزُ فِي موقِفِ الذُلِّ عَلَى بابِ العزِّ عَنْ نيلِ إِدراكَ هَذَا الكَنْزِ، كَيْفَ أَعرفُكَ وَأَنْت البَاطنُ الَّذِيْ لاَ تُعرَفُ! أَمْ كَيْفَ لاَ أَعرفُكَ وَأَنْت الظَّاهرُ إِليَّ فِي كُلّ شيءٍ تتعرّفُ! كَيْفَ أَوحّدُكَ وَلاَ وُجُوْدَ لي فِي عَينِ الأُحَدِيَّة! أَمْ كَيْفَ لاَ أَوحّدكَ وَالتوحيدُ سرّ العُبُوْدِيَّة! سُبْحَانَكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْت مَا وَحَّدَكَ مِنْ أَحَدٍ، إِذْ أَنْت كَمَا أَنْت فِي سَابقِ الأَزَلِ وَلاحِقِ الأَبَدِ، فَعَلَى التحقيقِ مَا وَحَّدَكَ أَحَدٌ سِواكَ، وَفِي الجُملةِ مَا عَرَفَكَ إِلاَّ إِيَّاكَ، بَطُنْتَ وَظَهَرْتَ، فَلاَ عَنْكَ بَطُنْتَ، وَلاَ لِغَيْرِكَ ظَهَرتَ، فَأَنْتَ أَنْتَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، فَكَيْفَ بِهذَا الشَّكْلِ يَنحلُّ، وَالأَوَّلُ آخِرٌ وَالآخِرُ أَوَّلٌ، فَيَا مَنْ أَبْهَمَ الأَمْرَ وَأَبْطَنَ السِرَّ، وَأَوْقَعَ فِي الحَيْرَةِ وَلاَ غَيْرَهُ، أَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ كشف سِرّ الأُحَدِيَّة، وَتحقيقَ العُبُوْدِيَّة، وَالقِيامَ بحقوقِ الرُّبوبيّةِ، بما يليقُ بحضرتِهَا العليَّةِ، فَأَنَا مَوْجُوْدٌ بِكَ حادثٌ معدومٌ، وَأَنْت مَوْجُوْدٌ باقٍ حَيُّ قَيُّوْمُ، قَديمٌ أَزليٌّ عالمٌ معلومٌ، فَيَا مَنْ لاَ يعلمُ مَا هُوَ إِلاَّ هُوَ، يَا هُوَ، أَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ الهربَ مِنّي إِلَيْكَ، وَالجمعَ بجميعِ مجموعِي عَلَيْكَ، حَتى لاَ يكونَ وَجُوْدِي حِجابِي عَنْ شُهُوْدِي، يَا مَقْصُودِي، يَا مَعْبُوْدِي، مَا فَاتنِي شيءٌ إِذَا أَنَا وَجَدْتُكَ، وَلاَ جَهِلْت شيئاً إِذَا أَنَا عَلِمْتُكَ، وَلاَ فقدت شيئاً إِذَا أَنَا شهدتُكَ، فَنائِي فِيْكَ وَبَقَائِي بِكَ وَمَشُهُوْدِي أَنْت، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْت كَمَا شَهِدْتَ وَكَمَا عَلِمْتَ وَكَمَا أَمَرْتَ، فشُهُوْدِي عَينُ وَجُوْدِي، فَمَا شهدتُ سوايَ فِي فَنَائِي وَبَقَائِي، فالإِشَارةُ إِليَّ، وَالحُكمُ لي وَعليَّ، وَالنَّسَبُ نَسَبي، وَكُلُّ ذلكَ رُتبي، وَالشَّأَنُ شَأَني فِي الظُّهُورِ وَالبُطُونِ، وَسَرَيَانِ السِرّ المصونِ، هُوِيَّةٌ ساريَةٌ، وَمظاهرُ باديَةٌ، وُجُوْدٌ وَعَدَمٌ، نُوْرٌ وَظُلَمٌ، سمْعٌ وَصَمَمٌ، لَوْحٌ وَقَلَمٌ، جَهْلٌ وَعِلْمٌ، حَرْبٌ وَسِلم، صَمْتٌ وَنِطْقٌ، رَتْقٌ وَفَتْقٌ، حَقِيْقَةٌ وَحَقٌّ، غَيْبُوْبَةَ أَزَلٍ، دَيْمُوْمَةَ أَبَدٍ، قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، اللهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُوْلَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْواً أَحَدٌ.

وَصَلَّى اللهُ عَلَى الأَوَّلِ فِي الإِيجَادِ وَالوُجُوْدِ، الفَاتح لِكُلّ شاهدٍ وَمشُهُوْدٍ حضرةَ الشاهدِ وَالمشُهُوْدِ، وَالسِرّ الباطنِ، وَالنُّورِ الظاهرِ، مميِّزِ قبضةِ السَّبْقِ، فِي عالمِ الخلقِ، فِي المخصوصِ وَالمبعودِ، الرُّوحِ الأَقدسِ العَالي، وَالنُّورِ الأَكْملِ البهِيّ، القائِمِ بكمالِ العُبُوْدِيَّةِ فِي حضرةِ المعبُودِ، الَّذِيْ أُفِيضَ عَلَى رُوحانيَّتِهِ مِنْ حضرةِ رحمانيَّتِهِ، وَاتصَلَت بمشكاةِ قَلبِهِ أَشعَّةِ نورانيَّتِهِ، فَهُوَ الرَّسُولُ الأَعظمُ، وَالنبيُّ المكرَّمُ، وَالوليُّ المقرَّبُ المسعودُ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصحابِهِ خزائِنِ أَسرَارِهِ، وَمطالعِ أَنوارِهِ، كنوزِ الحقائقِ، هُداةِ الخلائِقِ، نجومِ الهُدى، لمنْ اقْتدَى، وَسَلّم تسليماً كثيراً، إِلى يَوْمِ الدّينِ، وَسُبْحَانَ الله وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ، وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العليِّ العَظيمِ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.[1]



[1] أوراد أيام الأسبوع ولياليه: ورد يوم الأحد.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!