موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ذلك لأحد لأن الكل عبيد اختيارا كان أم اضطرارا، وقد يدّعي الألوهية من يدّعيها قولا كفرعون أو حالا كأغلب الناس، ولكن ذلك وهمٌ ليس فيه من الحق شيء. فهذا معنى قوله رضي الله عنه: "ما في أحد من الله شيء"، وهذا هو أيضاً قوله في وصاياه: "كن فقيراً من الله كما أنت فقير إليه... ومعنى فقرك من الله أن لا يشم منك رائحة من روائح الربوبية بل العبودية المحضة كما أنه ليس في جناب الحق شيء من العبودية ويستحيل ذلك عليه فهو رب محض فكن أنت عبداً محضاً".[1]

وأما بخصوص النعمة وادعاء شيخ الإسلام أن الشيخ الأكبر ينكر النعمة والشكر عليها ويعتبر أن الله سبحانه وتعالى فقير للخلق، فيكفي أن ننقل قوله مثلا في أوراده وأدعيته التي ترفع الهمم ويقشعرّ لها الجسم وتزيد القلب خشوعا والنفس خضوعا، فانظر مثلا قوله في ورد يوم الأحد وأنا هنا أنقل جزءا كبيرا منه، فنجعلها خاتمة هذا الفصل، وبودي أن أنقله كله لولا خشية الإطالة، ولكنها أيضاً تعبير عن وحدة الوجود التي يقول بها ابن العربي، كما ذكرناها أعلاه، وليس وحدة الوجود التي يفهمها العامّة من العلماء:

بِسْمِ اللهِ فاتِحِ الوُجُودِ، وَالحمْدُ للهِ مُظهرِ كُلّ مَوْجُودٍ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ توحيداً مُطلقاً عَنْ كَشْفٍ وَشُهُوْدٍ، وَاللهُ أَكبرُ مِنْهُ بَدَأَ الأَمْرُ وَإِلَيْهِ يَعودُ، وَسُبْحَانَ اللهِ مَا ثَمَّ سِواهُ فَيُشْهَدَ، وَلاَ مَعَهُ غَيْرُهُ مَعبودٌ؛ وَاحِدٌ أَحَدٌ، وَهُوَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كانَ قبلَ الحُروفِ وَالحُدودِ، لَهُ فِي كُلّ شيءٍ آيةٌ تدلُّ عَلَى أَنَّه وَاحدٌ مَوْجُوْد، سرّ سِرّه عَنِ الإِدراكَ وَالنُّفودِ. وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ العليِّ العَظِيْمِ كنزٌ اخْتصَّنَا بِهِ مِنْ خَزَائِنِ الغَيْبِ وَالجُوْدِ، أَستنزلُ بِهِ كُلَّ خَيْرٍ وَأَدْفَعُ كُلَّ شَرٍّ وَضَيْرٍ، وَأَفْتُقُ بِهِ كُلَّ رَتْقٍ مَسْدُوْدٍ. وَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعونَ فِي كُلّ أَمرٍ نَزَلَ أَو هُوَ نازلٌ، وَفِي كُلّ حَالٍ وَمَقامٍ وَخَاطرٍ وَوَاردٍ وَمصدرٍ وَوُرُودٍ. وَاللهُ هُوَ المرجوُّ بِكلّ شيءٍ وَفِي كُلّ شيءٍ هُوَ المأَمولُ وَالمقصودُ، وَالإِلهامُ مِنْهُ وَالفَهْمُ عنهُ وَالموجودُ هُوَ وَلاَ إِنكارَ وَلاَ جحودَ، إِذَا كشف فَلاَ غَيْرَ، وَإِذا سَترَ فكُلٌّ غَيْرٌ، وَكلٌّ محجوبٌ مَبْعودٌ. باطنٌ بالأُحَدِيَّة ظَاهرٌ بالوَحْدَانِيَّةِ، وَعنهُ وَبهِ كانَ كَوْنُ كُلّ شيءٍ، وَلاَ شيءَ، إِذِ الشَّيءُ بالحقيقةِ معدومٌ مفقودٌ، فَهُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهرُ وَالبَاطنُ وَهُوَ بِكلّ شيءٍ عليمٌ قبلَ كَوْنِ الشّيءِ وَبَعْدَ الوُجُوْد. وَلَهُ الإِحاطةُ الواسعَةُ وَالحقيقَةُ الجامعَةُ، وَالسرُّ القائمُ، وَالمُلْكُ الدَّائمُ، وَالحُكْمُ اللازِمُ، أَهْلُ الثَّناءِ وَالمجدِ، وَأُحَدِيَّ الأَسماءِ وَالصّفات، عليمٌ بالكلّيات وَالجزئيات، محيطٌ بالفوقانيَّات وَالتحتيَّات، وَلَهُ عَنَت الوجوهُ من كُلّ الجهاتِ.

اللَّهُمَّ يَا مَنْ هُوَ المحيطُ الجامعُ، وَيَا مَنْ لاَ يمنعُهُ من العطاءِ مانعٌ، وَيَا مَنْ لاَ ينفُدُ مَا عِنْدَهُ، وَعمَّ جميعَ الخلقِ جودُهُ وَرفدُهُ. اللَّهُمَّ افتحْ لي إِغلاقَ هذِهِ الكُنُوْزِ، وَاكشف لي عَنْ حقائقِ هذه الرُّموزِ، وَكُنْ أَنْت مُواجِهِي وَجِهَتي، وَاحْجُبْني برُؤيتي لَكَ عَنْ رُؤْيَتي، وَامْحِ بظهورِ تجلّيكَ جميعَ صِفاتي، حَتى لاَ يَكونَ لي وُجهةٌ إِلاَّ إِلَيْكَ، وَلاَ يقعَ مِنّي نظرةٌ إِلاَّ عَلَيْكَ، وَانْظُرِ اللَّهُمَّ لي بعينِ الرَّحمةِ وَالعنايةِ وَالحِفظِ وَالرّعايةِ وَالاختصاصِ وَالولايةِ فِي كُلّ شيءٍ حَتى لاَ يحجُبني عَنْ رُؤيتي لَكَ شيءٌ، وَأَكونَ ناظراً إِلَيْكَ بما أَمدَدْتني بِهِ مِنْ نظرِكَ فِي كُلّ شيءٍ. وَاِجْعَلْني خاضعاً لتجلّيكَ، أَهلاً لاختصاصِكَ وَتولّيكَ، محلَّ نظركَ مِنْ خلقِكَ، مُفِيضاً عَلَيْهِمْ مِنْ عطائِكَ وَفضلِكَ، يَا مَنْ لَهُ الغِنى المُطلقُ، وَلعبدِهِ الفقْرُ المحقَّقُ، يَا غنيّاً عَنْ كُلّ شيءٍ وَكُلُّ شيءٍ مُفتقرٌ إِلَيْهِ، يَا مَنْ بيدِهِ أَمرُ كُلِّ شيءٍ، وَأَمرُ كُلِّ شيءٍ راجعٌ إِلَيْهِ، يَا مَنْ لَهُ الوُجُوْد المطلقُ فَلاَ يَعلمُ مَا هُوَ إِلاَّ هُوَ، وَلاَ يُستدلُّ عَلَيْهِ إِلاَّ بِهِ، وَيَا مُسخّرَ الأَعمالَ الصالحةَ للعبدِ ليعودَ نفعُهَا عَلَيْهِ، لاَ مقصودَ لي غَيْرُكَ، وَلاَ يَسعُني إِلاَّ جُودُكَ، وَخيرُكَ، يَا جوادُ فَوْقَ المرادِ، يَا مُعْطي النَوَالَ قَبْلَ السُّؤالِ، يَا مَنْ وَقَفَ دُونَهُ قَدَمُ عَقْلِ كُلّ طالبٍ، يَا مَنْ هُوَ عَلَى أَمرِهِ قادرٌ وَغالبٌ، يَا مَنْ هُوَ لِكُلّ شيءٍ وَاهبٌ، وَإِذَا شاءَ سَالبٌ، أَهُمُّ بالسُّؤالِ



[1] الفتوحات المكية: ج4ص482.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!