موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ومصر ومكة الذين مرّ بهم الشيخ الأكبر أثناء ترحاله ووصفهم وانتقدهم في رسالته "روح القدس في مناصحة النفس" كما ذكرنا آنفا؛ فالفقهاء غالباً ما يسعون وراء الأمراء والجاه والسلطان فيُصدرون الفتاوي التي ترضيهم وترفع مراتبهم عندهم، وذلك بسبب غلبة الأهواء على النفوس وطلب المراتب مما أدى بالفقهاء لترك الشريعة التي هي المحجة البيضاء والجنوح إلى التأويلات البعيدة ليمشّوا أغراض الملوك فيما لهم فيه هوى نفس ليستندوا في ذلك إلى أمرٍ شرعي مع كون الفقيه ربما لا يعتقد ذلك ولكنه يفتي به.

ففي مدينة حلب أخبر الملك الظاهر غازي ابن الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي الشيخ محي الدين ابن العربي بذلك حيث وقع بينهما حديث في مثل هذا الكلام فنادى الملك بمملوكٍ له وقال له جئني بالحرمدان،[1] فقال له الشيخ: ما شأن الحرمدان؟ قال الملك: أنت تنكر عليّ ما يجري في بلدي ومملكتي من المنكرات والظلم، وأنا والله أعتقد مثل ما تعتقد أنت فيه من أنّ ذلك كله منكر، ولكن والله يا سيدي ما منه منكر إلا بفتوى فقيه وخطّ يده عندي بجواز ذلك، فعليهم لعنة الله. ولقد أفتاني فقيه هو فلان، وعيّن له أفضل فقيه عنده في بلده في الدين والتقشف، بأنه لا يجب عليّ صوم شهر رمضان هذا بعينه بل الواجب عليّ شهر في السنة والاختيار لي فيه أي شهر شئت من شهور السنة! قال السلطان فلعنته في باطني ولم أظهر له ذلك وهو فلان وسمّاه له، رحم الله جميعهم، كما يقول الشيخ محي الدين رضي الله عنه.[2]

ومن غير المستبعد أن يكون ما أثار هذا الحديث هو انتقاد الشيخ محي الدين للملك الظاهر الذي تم إعدام السهروردي خلال فترة حكمه كأمير في حلب قبل أكثر من عقدين. وهذا السهروردي الذي أصبح يعرف بالسهروردي القتيل هو مؤسس المذهب الإشراقي وهو غير شهاب الدين السهروردي الصوفي الشهير الذي يذكره الشيخ محي الدين ويقال إنه التقاه في بغداد أو مكة كما سنرى بعد قليل.

حديث برواية شيخ من الجن (حلب)

ويقول ابن العربي أنه كان في منزله بحلب فحدثه إبراهيم بن سليمان، وكان ضريراً، وهو من دير الرمان من أعمال الخابور، حديثاً غريبا عن رجل ثقة كان قد قتل حيّة فاختطفته الجن فأحضرته بين يدي شيخ كبير منهم هو زعيم القوم عندهم فقالوا له هذا قتل ابن عمنا! قال الحطاب: ما أدري ما تقولون وإنما أنا رجل حطاب تعرّضت لي حيّة فقتلتها! فقالت الجماعة هو كان ابن عمنا. فيقول ابن العربي أن شيخ الجنّ رضي الله عنه قال خلّوا سبيل الرجل ورُدّوه إلى مكانه فلا سبيل لكم عليه فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لنا: من تصوّر في غير صورته فقُتل فلا عقل فيه ولا قود،[3] وابن عمكم تصوّر في صورة حية وهي من أعداء الإنس. قال الحطاب: فقلت له يا هذا أراك تقول سمعت رسول الله صلّى الله



[1] الحرمدان هو حقيبة السفر أو المحفظة الخاصة التي يحمل فيها الفرد أوراقه ونقوده، ويطلق اللفظ أحيانا على حقيبة الحلاق، ولعل الملك أراد أن يري الشيخ فتاوي فقهاء حلب التي يحتفظ بها، وربما كانوا على سفر حين حدثت هذه القصة.

[2] الفتوحات المكية: ج3ص70.

[3] لم أجد هذا الحديث، وربما كان مختصا بالجن الذين لهم قدرة التحوّل بالصور.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!