موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


صفيّي أبقاه الله أن وجود قلوبنا في بعض المواطن أكثر من بعض. وقد كان رضي الله عنه يترك الخلوة في بيوت المنارة المحروسة الكائنة بشرقيّ تونس بساحل البحر وينزل إلى الرابطة التي في وسط المقابر بقرب المنارة من جهة بابها، وهي تُعزى إلى الخضر، فسألته عن ذلك فقال إن قلبي أجده هنالك أكثر منه في المنارة وقد وجدت فيها أنا أيضاً ما قاله الشيخ. وقد علم وليّي أبقاه الله أن ذلك من أجل من يعمر ذلك الموضع إمّا في الحال من الملائكة المكرّمين أو من الجنّ الصادقين وإمّا من همّة من كان يعمره وفُقد، كبيت أبي يزيد الذي يُسمي بيت الأبرار وكزاوية الجنيد بالشونيزية وكمغارة ابن أدهم بالتعن، وما كان من أماكن الصالحين الذين فنوا عن هذه الدار وبقيت آثارهم في أماكنهم تنفعل لها القلوب اللطيفة.

ولهذا يرجع تفاضل المساجد في وجود القلب لا في تضاعف الأجر فقد تجد قلبك في مسجد أكثر مما تجده في غيره من المساجد وذلك ليس للتراب ولكن لمجالسة الأتراب أو هممهم، ومن لا يجد الفرق في وجود قلبه بين السوق والمساجد فهو صاحب حال لا صاحب مقام. ولا أشك كشفاً وعلماً أنه وإن عمرت الملائكة جميع الأرض مع تفاضلهم في المعارف والرتب فإن أعلاهم رتبة وأعظمهم علماً ومعرفةً عَمَرةُ المسجد الحرام. وعلى قدر جُلسائك يكون وجودك فإنه لِهِمَمِ الجلساء في قلب الجليس لهم تأثيراً وهِمَمُهم على قدر مراتبهم.

وإن كان من جهة الهِمم فقد طاف بهذا البيت مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي سوى الأولياء، وما من نبي ولا وليّ إلا وله همة متعلقة بهذا البيت وهذا البلد الحرام لأنه البيت الذي اصطفاه الله على سائر البيوت وله سرّ الأولية في المعابد كما قال تعالى (في سورة آل عمران) ((إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ [96] فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ... [97])) من كلّ مخوف إلى غير ذلك من الآيات.

فلو رحل الصفي أبقاه الله إلى هذا البلد الحرام الشريف لوجد من المعارف والزيادات ما لم يكن رآه قبل ذلك ولا خطر له بالبال. وقد علم رضي الله عنه أن النفس تُحشر على صورة عِلمها والجسم على صورة عمَله، وصورة العلم والعمل بمكة أتمّ ممّا في سواها، ولو دخلها صاحب قلب ساعةً واحدةً لكان له ذلك فكيف إن جاور بها وأقام وأتى فيها بجميع الفرائض والقواعد، فلا شكّ أنّ مشهده بها يكون أتمّ وأجلى ومورده أصفى وأعذب وأحلى وإذ وصفيّي أبقاه الله قد أخبرني أنه يُحس بالزيادة والنقص على حسب الأماكن والأمزجة ويعلم أن ذلك راجع أيضاً إلى حقيقة الساكن به أو همّته كما ذكرنا، ولا شك عندنا أن معرفة هذا الفنّ، أعني معرفة الأماكن والإحساس بالزيادة والنقص، من تمام تمكّن معرفة العارف وعلوّ مقامه وشرفه على الأشياء وقوّة ميزه. فالله يكتب لوليّي فيها أثراً حسناً ويهبه فيها خيراً طيباً إنه الولي بذلك والقادر عليه.[1]



[1] الفتوحات المكية: ج1ص99.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!