موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


فمع أنني لم أقصده منذ البداية ولكن استقرّ الأمر على هذا الترتيب الذي جاء طبيعيّاً ليستوعب المراحل المختلفة من حياة الشيخ الأكبر. ولكنني عندما أعدت النظر في هذا الترتيب وجدت معناه واضحا وصريحا وأنّه لم يكن مصادفة؛ فهو تعبير وانعكاس لأساس رؤية الشيخ الأكبر للعالم الذي خلقه الله تعالى على صورته الإلهيّة، فلمّا كان الله موصوفا بالسبعة الصفات (السمع، الحياة، العلم، القدرة، الإرادة، البصر، الكلام) التي هي أمّهات الصفات الإلهية الحسنى التي تلزم وتكفي ليكون الله إلها خالقا لهذا العالم، فلذلك خلق الله العالم على هذه الصورة في ستة أيام ثم استوى على العرش. ويوازي ذلك أيضاً خلقُ الجنين في بطن أمه في ستة أشهر وهي مدّة الحمل الحقيقي، وما فوقها فهو من الفصال لقوله تعالى في سورة لقمان: ((... وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ... [14])) ثم قال في سورة الأحقاف: ((...وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ... [15]))، فالحمل ستة أشهر أي ستة أيام قمرية، فيوم القمر هو شهره، والفِصال أربعة وعشرون شهراً، منها في الرحم شهر واحد أو ثلاثة أشهر، والباقي على الثدي، ثم بعدها يخرج الجنين إلى الحياة مستقلاً بنفسه.كذلك العالم كله سبعة أيام، ستة للتكوين واليوم السابع للعرض، وهو يوم القيامة، يوم الأبد، والله أعلم وهو علاّم الغيوب.

وهكذا فإن حياة الشيخ الأكبر رضي الله عنه، أو حياة علومه إن شئت، هي سبعة أيام ستة للتكوين والسابع للعرض ونحن فيه الآن. وليس هذا التشبيه مجازا أبدا، بل حقيقة تنطبق فصولها على أدقّ التفاصيل؛ قد فصّلها الشيخ محي الدين في كتبه الكثيرة وأنا هنا أختصرها اختصارا شديدا. فاليوم الأول يكون عن صفة السمع وهو الوجود النسبي قبل الخلق، حيث يقول الله تعالى للشيء "كن" فيكون، فالعالم قبل خلقه له صفة السمع مع أنه غير موجود بعد، وبها يسمع أمر الله تعالى فيطيع، ثم يبدأ يكتسب الصفات الأخرى تباعا، فينفخ الله فيه الروح فيصير حيّا ثم يكتسب العلم ثم الإرادة ثم القدرة ثم البصر وفي النهاية الكلام، فيصبح هو بدوره يخلق بالكلام ولكن ليس خلقا ماديّا وإنما خلقا معنويا وهي الصور التي ينشؤها في نفس السامع حين يخاطبه.

وهكذا فإن حياة ابن العربي بدأت على الحقيقة قبل تاريخ ولادته بزمن طويل، بل منذ الأزل، حين كان ما يزال في عالم الذرّ، ولم يكن له وجود فعليّ، وإنما وجود معنوي، به استطاع أن يسمع أمر الله له بالتكوين فيطيعه، فلما خرج إلى الحياة تنقّل في خمسة أطوار، وهي خمسة حركات، أو أسفار: السفَر الأوّل من الله إلى العالم، وهو وقت الصبح، وفيه تنشأ شخصيته، وهي مرحلة اللعب واللهو، ثم سفرٌ في العالم حتى يكتشفه ويصل منه إلى الله تعالى، وهذا السفر هو وقت الضحى، وهي مرحلة الزينة والتفاخر، ثم سفرٌ في الله تعالى بعد أن يفنى الإنسان عن العالم، وهو وقت الظهر أو الزوال، وهي مرحلة التكاثر، ثم يعود إلى العالم من جديد، ولكن بصورة مختلفة، بعد أن اكتمل علمه بالله من كون إله وليس من حيث ذاته سبحانه وتعالى أن يعلمه أحد سواه، وهذه هي مرحلة العصر التي يسافر فيها الإنسان "لينصح عباد الله" ويدعوهم إليه، وفيها يهيج النبات فتراه مصفرّاً، ثمّ، بعد أن يقضي ما قدّر الله له من الدعوة، يكون حطاما، ينتهي بالموت، لينتقل من جديد إلى الله تعالى ولا يبقى في الدنيا إلا أثره. فهذه هي خمسة أطوار، تضاف إلى الطور الأول الذي هو قبل التكوين، فتكون ستة أطوار أو أيّام يتم فيها الخلق، وتقوم في آخرها القيامة وهي يوم الأبد فتنتهي الدنيا وتبدأ الآخرة التي فيها عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان، فسابقوا إلى جنّة



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!