موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


أن لهم رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب فقيل لهم على سماع منهم لهذا القول "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"، كأهل بدر؛[1] ففنيت عنهم أحكام المخالفات فما خالفوا فإنهم ما تصرفوا إلا فيما أبيح لهم فإن الغيرة الإلهية تمنع أن ينتهك المقربون عنده حرمة الخطاب الإلهي بالتحجير وهو غير مؤاخذ لهم لما سبقت لهم به العناية في الأزل فأباح لهم ما هو محجور على الغير وسائر من ليس له هذا المقام لا علم له بذلك فيحكم عليه بأنه ارتكب المعاصي وهو ليس بعاص كلام الله المبلغ على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكأهل البيت حين أذهب الله عنهم الرجس ولا رجس أرجس من المعاصي وطهرهم تطهيرا وهو خبر والخبر لا يدخله النسخ وخبر الله صدق وقد سبقت به الإرادة الإلهية فكل ما ينسب إلى أهل البيت مما يقدح فيما أخبر الله به عنهم من التطهير وذهاب الرجس فإنما ينسب إليهم من حيث اعتقاد الذي ينسبه لأنه رجس بالنسبة إليه، وذلك الفعل عينه ارتفع حكم الرجس عنه في حق أهل البيت؛ فالصورة واحدة فيهما والحكم مختلف.

والقسم الآخر رجال اطّلعوا على سرّ القدر وتحكّمه في الخلائق وعاينوا ما قُدّر عليهم من جريان الأفعال الصادرة منهم من حيث ما هي أفعال لا من حيث ما هي محكوم عليها بكذا أو كذا، وذلك في حضرة النور الخالص الذي منه يقول أهل الكلام: أفعال الله كلها حسنة ولا فاعل إلا الله، فلا فعل إلا لله. وتحت هذه الحضرة حضرتان حضرة السدفة وحضرة الظلمة المحضة؛ وفي حضرة السدفة ظهر التكليف وتقسّمت الكلمة إلى كلمات وتميّز الخير من الشرّ، وحضرة الظلمة هي حضرة الشرّ الذي لا خير معه، وهو الشرك، والفعل الموجب للخلود في النار وعدم الخروج منها، وإن نَعِم فيها. فلما عاين هؤلاء الرجال من هذا القسم ما عاينوه من حضرة النور بادروا إلى فعل جميع ما علموا أنه يصدر منهم وفنوا عن الأحكام الموجبة للبعد والقرب ففعلوا الطاعات ووقعوا في المخالفات كل ذلك من غير نيّة لقرب ولا انتهاك حرمة. فيقول الشيخ محي الدين أن هذا فناء غريب أطلعنه الله عليه بمدينة فاس ولم ير له ذائقاً مع علمه بأن له رجالاً ولكن لم يلقهم ولا رأى أحداً منهم، غير أنه يقول إنه رأى حضرة النور وحكم الأمر فيها غير أنه لم يكن لتلك المشاهدة فيه حكم بل أقامه الله في حضرة السدفة وحفظه وعصمه، فكان له حكم حضرة النور وأقامه في السدفة وهو عند القوم أتم من الإقامة في حضرة النور.[2]

والفناء شأنه عجيب، وقد تكلمنا عنه في كتاب سلوك القلب،[3] ومن أعجب ما حدث لبعض أصحاب الشيخ محي الدين في مدينة فاس وهو الأستاذ النحوي عبد العزيز بن زايد وكان ينكر حال الفناء، ولكنه



[1] ورد في الحديث (في الصحيحين وغيرهما) أن الصحابي حاطب بن أبي بلتعة الذي شهد بدرا أنه لما أرسل إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال عليه الصلاة والسلام: إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدرا فقال: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". انظر في كنز العمال: رقم 30193، 33890، 33891، 37957، 37958.

[2] الفتوحات المكية: ج2ص512-513.

[3] سلوك القلب: ص201-206.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!