موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


معرفة لهم بالأحوال ولا المقامات ولا العلوم الوهبية اللدنية ولا الأسرار ولا الكشوف ولا شيئاً مما يجده غيرهم.

وأما الصوفية فمقامهم فوق مقام العبّاد وهم يرون الأفعال كلها لله وأنه لا فعل لهم أصلاً فزال عنهم الرياء جملة واحدة وإذا سألتهم في شيء مما يحذره أهل الطريق يقولون: ((أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) [الأنعام: 40]، ويقولون: ((قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ)) [الأنعام: 91]، وهم مثل العبّاد في الجد والاجتهاد والورع والزهد والتوكل وغير ذلك، غير أنهم مع ذلك يرون أن ثم شيئاً فوق ما هم عليه من الأحوال والمقامات والعلوم والأسرار والكشوف والكرامات فتتعلق هممهم بنيلها، فإذا نالوا شيئاً من ذلك ظهروا به في العامة من الكرامات لأنهم لا يرون غير الله، وهم أهل خُلق وفتوة. ولكنهم بالنسبة إلى الملامية فهم أهل رعونة وأصحاب نفوس وتلامذتهم مثلهم أصحاب دعاوى يشمرون على كل أحد من خلق الله ويظهرون الرياسة على رجال الله.

وأما الصنف الثالث وهم الملامية فهم رجال لا يزيدون على الصلوات الخمس إلا الرواتب لا يتميزون عن المؤمنين المؤدين فرائض الله بحالة زائدة يُعرفون بها، يمشون في الأسواق ويتكلمون مع الناس، لا يبصر أحد من خلق الله واحداً منهم يتميزون عن العامة بشيء زائد من عمل مفروض أو سنة معتادة في العامة، قد انفردوا مع الله راسخين لا يتزلزلون عن عبوديتهم مع الله طرفة عين، ولا يعرفون للرياسة طعماً لاستيلاء الربوبية على قلوبهم وذلتهم تحتها. قد أعلمهم الله بالمواطن وما تستحقه من الأعمال والأحوال؛ وهم يعاملون كل موطن مما يستحقه، قد احتجبوا عن الخلق واستتروا عنهم بستر العوام فإنهم عبيد خالصون مخلصون لسيّدهم، مشاهدون إياه على الدوام في أكلهم وشربهم ويقظتهم ونومهم وحديثهم معه في الناس، يضعون الأسباب مواضعها ويعرفون حكمتها حتى تراهم كأنهم الذي خلق كل شيء مما تراهم من إثباتهم الأسباب وتحضيضهم عليها؛ يفتقرون إلى كل شيء لأن كل شيء عندهم هو مسمّى الله ولا يُفتقر إليهم في شيء لأنه ما ظهر عليهم من صفة الغنى بالله ولا العزة به ولا أنهم من خواص الحضرة الإلهية أمر يوجب افتقار الأشياء إليهم، وهم يرون كون الأشياء لا تفتقر إليهم ويفتقرون إليها كون الله قال للناس: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)) [فاطر: 15]، فهم وإن استغنوا بالله فلا يظهرون بصفة يمكن أن يطلق عليهم منها الاسم الذي قد وصف الله نفسه به وهو الاسم الغني، وأبقوا لأنفسهم ظاهراً وباطناً الاسم الذي سماهم الله به وهو "الفقير"، وقد علموا من هذا أن الفقر لا يكون إلا إلى الله الغنيّ، ورأوا الناس قد افتقروا إلى الأسباب الموضوعة كلها وقد حجبتهم في العامة عن الله، وهم على الحقيقة ما افتقروا في نفس الأمر إلا إلى من بيده قضاء حوائجهم وهو الله، قالوا فهنا قد تسمى الله بكل ما يُفتقر إليه في الحقيقة والله لا يَفتقر إلى شيء، فلهذا افتقرت هذه الطائفة إلى الأشياء ولم تفتقر إليهم الأشياء، وهم من الأشياء، والله لا يفتقر إلى شيء، ويفتقر إليه كل شيء. فهؤلاء هم الملامية وهم أرفع الرجال وتلامذتهم أكبر الرجال يتقلبون في أطوار الرجولية وليس ثم من حاز مقام الفتوة والخلق مع الله دون غيره سوى هؤلاء؛ فهم الذين حازوا جميع المنازل ورأوا أن الله قد احتجب عن الخلق في الدنيا وهم الخواص له فاحتجبوا عن الخلق لحجاب سيدهم فهم من خلف الحجاب لا يَشهدون في الخلق سوى سيدهم، فإذا



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!