موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


إنْ جعلَ الإنسان نفسه أجنبية عنه فإنه يخاطبها مخاطبة الأجنبي. يقول الله تعالى: ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ)) [ق:16] وهذا يجده كل إنسان ذوقا تقتضيه نشأته. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول للإنسان المكلف: "إن لنفسك عليك حقا" فأضاف النفس إليه والشيء لا يضاف إلى ذاته فجعل النفس غير الإنسان وأوجب لها عليه حقا تطلبه منه. فإن كان هو التالي فلا بد لنفسه عند فراغ الفاتحة آمين وإن كانت النفس التالية فلا بد أن يقول هو آمين والإنسان واحد العين كثير بالقوى ويؤيده قوله: (فمنهم ظالم لنفسه) و"بادرني عبدي بنفسه" في القاتل نفسه. فمن كان هذا مشهده قال يؤمن الإمام والمنفرد. ومن رأى أن الإمام عين واحدة أو يرى أنه قال بربه في قوله: "بي يسمع وبي يبصر وبي يتكلم"، وقد كان الشيخ أبو مدين ببجاية يقول لا يؤمن الإمام. والتأمين أولى بكل وجه فإن المكلف مأمور إذا دعا أن يبدأ بنفسه وقوله آمين دعاء يقول "اللهم أمّنّا بالخير وبما قصدناك فيه" والإنسان بحكم حاله ومشهده وفي الحديث الثابت: "إذا أمّن الإمام فأمّنوا".[1]

علم المناسبات

ويروي الشيخ الأكبر عن علم المناسبات قصة طريفة، وذلك أثناء حديثه عن المعاني الباطنية للعبادات. ويبين هذا المقطع كيف يربط الشيخ الأكبر والشيخ أبو مدين بين بواطن الأمور وظواهرها:

(باب ‏الوضوء من حمل الميت‏‎(‎‏ قالت به طائفة من العلماء ومنع أكثر العلماء من ذلك وبالمنع ‏أقول. (وصل حكم الباطن فيه) أما حكم الباطن في ذلك فإنه يتعلق بعلم المناسبة؛ فلا ‏يجتمع شيء مع شيء إلا لمناسبة بينهما. قال أبو حامد الغزالي: رأى بعض أهل هذا الشأن ‏بالحرم غرابا وحمامة ورأى أن المناسبة بينهما تبعد فتعجب وما عرف سبب أنس كل ‏واحد منهما بصاحبه فأشار إليهما فدَرَجا فإذا بكل واحد منهما عرج فعرف أن العرج ‏جمع بينهما. وكان رجل من التجار يقول لشيخنا أبي مدين أريد منك إذا رأيت فقيرا ‏يحتاج إلى شيء تعرّفني حتى يكون ذلك على يديّ فجاءه يوما فقير عريان يحتاج إلى ثوب، ‏وكان مقام الشيخ وحاله في ذلك عدم الاعتماد على غير الله في جميع أموره في حق نفسه ‏وفي حق غيره فإن الشيوخ قد أجمعوا على أنه من صح توكله في نفسه صح توكله في ‏غيره، فتذكر أبو مدين رغبة التاجر فخرج مع الفقير إلى دكان التاجر ليأخذ منه ثوبا فما‏شاه إنسان أنكره الشيخ فسأله عن دينه فإذا هو مشرك فعرف المناسبة وتاب إلى الله من ‏ذلك الخاطر فالتفت فإذا بالرجل قد فارقه ولم يعرف حيث ذهب. فلما أُخبرت بحكايته ‏وأنا أعرف بلادنا ما في بلاد الإسلام منها دينان أصلا فعلمت أن الله أرسل إليه من ‏خاطره ذلك شخصا ينبهه فإن الله علمنا منه أنه يخلق من أنفاس العالم خلقا. فكذلك من ‏هذا الباب من حمل ميتا فلمناسبة بينهما وهو الموت فإما موت عن الأكوان وإما موت ‏عن الحق فالميت عن الحق يتوضأ والميت عن



[1] الفتوحات المكية: ج1ص448.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!