موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الشيخ الأكبر في مكان آخر أن أساس هذه الرؤية هو قول الله تعالى في سورة ق: ((أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [15]))، أي أن الناس في لبس، أي في غطاء أو حجاب، من الخلق الجديد الذي يدور في العالم. فالله لم يخلق السموات والأرض في ستة أيام مرة واحدة وانتهى، وإنما هذا الخلق هو على الحقيقة مستمر في كل لحظة، وأن المقصود بالأيام هنا هو الجهات الستة للمكان، فبعد أن يُتمّ الله خلق العالم في ستة أيام، أي في ستة جهات، لا يتعب كما يصفه بذلك اليهود، وإنما يستوي على العرش ليعيد الخلق من جديد في كل لحظة، وبين اللحظتين يفنى العالم ويعود للوجود من جديد ونحن في لبس من هذا الخلق الجديد، لا ندركه لأن الله سبحانه وتعالى يقول في سورة الكهف: ((مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا [51])).

باختصار فإن معنى سؤال ابن رشد أنه كان يسأله فيما إذا كانت القوانين والرؤية الفلسفية التي خلص إليها الحكماء تتفق مع رؤية أهل الكشف، فكان جواب ابن عربي هو نعم ولا بنفس الوقت لأنها صحيحة في حال وجود العالم كما نشهده ولكنها غير صحيحة على الإطلاق لأن العالم لا يستمرّ على هذا الوجود. وبالتالي فإنّ هذا الكلام ينسف نظرية السببيّة من أساسها. ففي الحقيقة ليس هناك قانون في العالَم بل هناك خلق متعلّق فقط بإرادة الله تعالى، وإنما قوانين العالم هي قوانين وضعية قد تستطيع أن تفسّر ما مضى ولكنّ تنبّؤها لما سيأتي هو ضرب في الغيب وإن صحّ، لأن ما يأتي يتعلّق فقط بإرادة الله تعالى ولو أنه عادة ما يخلقه وفق ما وضعه من قوانين في الطبيعة. وقد ناقشت هذه المسألة بالتفصيل في رسالة الدكتوراه التي بدأت بإعادة صياغتها باللغة العربية وستُنشر قريبا إن شاء الله تعالى.

ثم يقول الشيخ محي الدين بعد ذلك أن ابن رشد طلب بعد ذلك من أبيه الاجتماع بالشيخ محي الدين ليعرض ما عنده عليه هل هو يوافق أو يخالف العلم الكشفي الذي جاء به الشيخ الأكبر رغم اختلاف منهجه بشكل كلي فإنه كان من أرباب الفكر والنظر العقلي في حين أن الشيخ محي الدين لم يكن مفكراً أو فيلسوفاً. فيقول الشيخ محي الدين أن ابن رشد كان يشكر الله تعالى أنه كان في زمان رأى فيه من دخل خلوته جاهلاً وخرج مثل هذا الخروج من غير درس ولا بحث ولا مطالعة ولا قراءة، وقال: هذه حالة أثبتناها وما رأينا لها أرباباً، فالحمد لله الذي أنا في زمان فيه واحدٌ من أربابها الفاتحين مغاليق أبوابها، والحمد لله الذي خصني برؤيته.

ثم بعد ذلك أراد الشيخ محي الدين الاجتماع بابن رشد مرة ثانية فأقيم له في الواقعة في صورة ضُرب بينهما فيها حجاب رقيق ينظر الشيخ الأكبر إليه منه وهو لا يبصره ولا يعرف مكانه، وكان قد شُغل بنفسه عن الشيخ محي الدين، فأدرك الشيخ محي الدين أن ابن رشد غير مُراد لما هم عليه أهل التصوف، فما تم الاجتماع بينهما إلى أن مات ابن رشد سنة خمس وتسعين وخمسمائة بمدينة مراكش ونُقل جثمانه إلى قرطبة وقُبر بها كما ذكرنا في آخر الفصل الأول، وكما سنتكلم عن ذلك أيضاً في الفصل الثالث.[1]



[1] الفتوحات المكية: ج1ص54.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!